التدفُّق العاطفي الذي يسري بدماء اللاعبين السعوديين ونظرائهم العرب، هو خليط يجمع أصالة الانتماء للأرض وقوة الجاذبية الاجتماعية وهو ما تجسّده حالات الإنجاز في أحلك الظروف وأقواها، فالمتأمّل في البرنامج الوثائقي (الحكاية) الذي بثّته القناة الرياضية، وفيه قصة تحقيق السعودية لكأس أمم آسيا 84م بسنغافورة، يكشف أنّ الروح العاطفية والتلاحم بين اللاعبين ومدربهم خليل الزياني كان أقوى من كل الخطط الفنية، ولذلك جندلوا الخصوم بقوة (روحية) هائلة، ومثل ذلك يحصل كثيراً عندما لا تحمل عناصر المنتخب من يغتال هذا (التدفُّق) الروحي بين اللاعبين، وأقصد مفتعلي المشاكل ومن يقومون بدور (السوسة) التي تنخر بانضباطية وحب اللاعبين بعضهم لبعض..!!
حالات الحب والإصرار كشف سرّها المصريون بعد عدة إخفاقات تلت عودة الفراعنة من مونديال 1990م بإيطاليا، فكانت سلاحاً فتك بكل منتخبات أفريقيا وأجبرهم على الخضوع لجبروت الروح المصرية، فكانت ثلاث كؤوس أفريقية متتالية هي حصيلة تاريخية لا تنسى بقيادة زعيم الروح المصرية حسن شحاتة..!
يمكن لأي مدرب بالعالم أن يخمد فورة تكتيك من يقابله أو تغييراته العناصرية، لكنه قطعاً لا يمكن أن يوقف منتخباً ينبض كروح واحدة يزأر من أجل الفوز ويبكي أياماً عند الهزيمة .. قطعاً لا يمكن لأي مدرب أن يفعل ذلك لأنّ الروح والتلاحم والحب بين المجموعة سلاح خفي هدفه الانتصار ولا غيره..!
في مكالمة هاتفية تشرّفت بها مع الأمير سلطان بن فهد الذي أحبه كثيراً وأعتبره أحد أفضل الشخصيات التاريخية في السعودية التي حققت إنجازات لوطنها في مختلف الرياضات، قلت له دون مجامله: أنتم يا سمو الأمير مبتعدون عن اللاعبين لا تزورنهم في المعسكرات ولا تجلسون معهم سوى بالمكاتب أو عند حضور تدريب رسمي، وهذا أمر أعتقد أنه يوسع الفجوة بين اللاعب وقيادته الرياضية .. كونوا قريبين يا سمو الأمير وأعطوهم القوة الروحية وشاركوهم تمارينهم واستمعوا لمشاكلهم وآلامهم وامزحوا معهم، حتماً ستجدونهم جنوداً في الملاعب لا يوقفهم أحد..
استمع سمو الأمير - كعادته - بإنصات شديد لما قلته ووافقني على ذلك معتبراً أنه يتواصل بشكل يومي مع أجهزة المنتخب، ويقف على مسافة واحدة مع سمو نائبه الأمير نواف بن فيصل لتقديم كل شيء من أجل الأخضر ولاعبيه.
هل كان العراقيون أفضل منا في المباراة النهائية لكأس آسيا 2007م؟؟
أبداً لكنهم لعبوا بروح أكبر وتحدٍ أعلى، فقد اعتبروا المباراة حياة أو موتاً لشعب يئن من صور الدماء فحققوا الكأس، أما نحن فوصلنا بالروح والحب بين اللاعبين الشباب لوصافة آسيا، لأننا باختصار طردنا قاتلي الروح ومثيري الفتن بين اللاعبين وزعماء الأحزاب بالمعسكرات، وعندما أعدناهم خرجنا ب(ذل) من سباق الوصول لجنوب أفريقيا..!!
انظروا لمستوى المنتخبات الأفريقية عندما تلعب بروح الفريق الواحد في كؤوس العالم أو الأولمبياد.. لا أحد يمكنه إيقاف زحفها وقوّتها فهي تلعب بروح صلبة وغيرة شديدة، وإن أردت الإيقاع بأي منتخب من هذا النوع فقط اقتل روحه بأية مشكلة..!!
ما دمنا لم نصل لمستوى الاحترافية الكروية العالية، فعلينا ان نستلهم من دموع النعيمة وطيبة صالح خليفة وإصرار الدعيع وحكمة الجابر وصمت ماجد وحياء الجمعان وقتال فؤاد أنور وروح أحمد جميل وفدائية عبد الجواد، دروساً تقدم للاعبي الجيل الحالي ليعرفوا قيمة اللعب بشعار الوطن وقيمة المشجع السعودي..
اقتربوا منهم واستغلوا تدفقهم العاطفي وروحهم الأصيلة وأعطوهم القوة والثقة وستجدونهم يحققوا الإبهار، حتى وهو يلعبون لأول مرة في ملعب موحل وجو ممطر وأمام منتخبات خبيرة كما حدث في 1984م..!
تصويبات:
- لازلت عند رأيي فبعض الأثرياء أوصلوا كرتنا للحضيض وأدخلوا فيها الفوضى وخربوا أذهان اللاعبين الذين أصبح همهم الفلوس ووضع سماعة الجوال بالأذن واللحاق بالموضة باللبس والقصّات.. الله يرحم أيامك يا درويش سعيد..!!
- ما يحصل للفريق يستوجب العودة لكتاب (الدنبوشي) الذي ألفه محب لهم..!!
- شكراً لكل فريق القناة الرياضية الذين ساهموا في إبراز البرنامج الوثائقي (الحكاية) فقد كان نقطة تحول حقيقية يبرهن على احترافية وكفاءة القناة المحبوبة..
- فريق الرائد أثبت أنه الفريق الأكثر تطوراً والأروع لعباً من خلال نتائجه الجميلة والتي تزامنت مع معالجة السلبيات الماضية بحكمة وهدوء الرئيس فهد المطوع الذي يستحق قبلة وفاء من كل الرائديين..
- لاعبو فريق التعاون دائماً ما يتحدون ظروفهم ويقدموا صورة رائعة لتاريخ ناديهم.. هذا الفريق من الظلم أن لا يبقى ضمن الكبار.
- روعة رئيس الهلال وجاذبيته نابعة من الكاريزما المجنونة التي يمتلكها والتي وضعته كأحد أكثر الشخصيات المحبوبة بالوسط الرياضي الآسيوي
- مستوى الهلال لا يؤهله لأن يكون بطلاً للدوري إذا ما تم عقد مقارنة لما قدمه الفريق الموسم الماضي، لكن ما يطمئن الجمهور الهلالي أن الفريق يتغلب على ظروفه وحماقات بعض لاعبيه بتحقيق الفوز.. النوايا الحسنة لا تترك الهلال عندما يمرض..!!
- لكل الذين يعلّقون على مقالاتي عبر النسخة الإلكترونية أو من يراسلوني على البريد الإلكتروني أو الجوال... شكراً لكل تعليقاتكم وثنائكم وانتقاداتكم الرائعة والتي تغمرني بكثافة.. أدام الله المحبة بيننا
قبل الطبع
الرائحة الجميلة لا تلتصق بالثياب الرديئة.