تشرفت خلال الأسابيع الثلاثة الماضية بالمشاركة في برامج التوعية التي نظمتها وزارة التعليم العالي للطلاب والطالبات المرشحين للابتعاث من أجل الدراسة بالخارج بإلقاء ورقة الشئون القانونية لوزارة الخارجية ضمن محور «التعامل مع قوانين دول الابتعاث» بهدف تسليط الضوء على أهم القوانين ذات التماس المباشر مع المبتعثين طيلة تواجدهم في الدولة المضيفة، وسبل تلافي الوقوع في المخالفات والأخطاء القانونية، وإبراز الأخطاء الشائعة التي يقع عادة بها بعض الطلاب في الخارج، وكيفية التصرف في حال استدعاء الطالب أو الطالبة للتحقيق أو الإيقاف لا قدر الله بضرورة إبلاغ السفارة وطلب توفير محامي مهما كان الاتهام الموجه إليه وعدم التصرف منفرداً.
لقد آتت تلك الملتقيات ثمارها خلال السنوات الماضية بانخفاض معدل الأخطاء والمخالفات للطلاب السعوديين وارتفاع نسبة الوعي لديهم بالإجراءات والأنظمة التي يتعين عليهم الالتزام بها، لكن ذلك وحده غير كاف، ولا بد أن يكون للملحقيات الثقافية والسفارات في دول الابتعاث برامج إضافية تقدم للمبتعثين الجدد بعد وصولهم لتهيئتهم واطلاعهم على المزيد من الإجراءات الإرشادية التفصيلية.
وعلى الرغم من ضيق الوقت المخصص للجهات التنفيذية المعنية بشئون المبتعثين مثل وزارة الخارجية التي تشرف على وضع الطلاب والطالبات القانوني والاجتماعي بالخارج، إلا أن تلك الملتقيات أتاحت لهم فرصة التعبير عن ما يشغل بالهم ويهيئهم نفسياً ومعنوياً لهذه المهمة المحفوفة بالصعاب والتحديات.. وقد أبدوا درجة من الوعي من خلال مداخلاتهم تؤكد جدارتهم الانضمام لهذا المشروع الحضاري الفريد من نوعه من حيث حجمه وتكلفته المادية كأكبر مشروع لتنمية الموارد البشرية المحلية.
ومن خلال المشاعر المتناقضة التي أبداها الطلاب والطالبات، وهي خليط من الغبطة والسرور بالترشح لهذا البرنامج، والخوف والقلق على مصيرهم بعد إكمال برنامج الابتعاث والعودة للوطن بعد الفترة التي أمضوها من أجل الدراسة بالخارج، نعتقد بضرورة رسم خارطة طريق للمبتعثين في المستقبل تتركز على الجوانب التي تحتاجها التنمية، ويشرف عليها تنفيذيون من بعض الجهات المعنية مثل: (التعليم العالي - الاقتصاد والتخطيط - التجارة والصناعة - مجلس الغرف التجارية السعودية..) لأجل تحديد حصص لكل تخصص مطلوب: (الطب - القانون - الهندسة والتقنية - إدارة الأعمال.. إلخ) حسب احتياجات سوق العمل. لربط برامج الابتعاث بالتنمية وعدم ترك ذلك لاختيار الطلاب حتى لا يحصل التكدس خلف تخصصات معينة على حساب الأخرى. فعلى سبيل المثال تعاني الدولة من نقص شديد في الخبراء بالقانون الدولي في مجالات: (قانون المعاهدات والاتفاقيات - التجارة الدولية - قوانين الإغراق - قوانين منظمة التجارة العالمية - تسوية المنازعات التجارية الدولية - قوانين البيئة وتغير المناخ - قانون البحار - القانون الجنائي الدولي..). فهذه التخصصات يجب أن لا يرشح لها إلا من حصلوا على درجة البكالوريوس في الأنظمة. أما من يلتحق بالدراسات العليا لدراسة القانون وهو لا يحمل درجة البكالوريوس في القانون سوف يعاني من نقص شديد لاستيعاب المفاهيم القانونية التي كان يتعين عليه إتقانها في مرحلة البكالوريوس وسوف تؤثر على أدائه العملي بعد التخرج بسبب نقص التأهيل العلمي. ويمكن القياس على ذلك - إذا استثنينا الطب - الدراسات العليا في التخصصات الأخرى.
إن رسم خارطة طريق لمبتعثي الدراسات العليا من حيث توجيههم للتخصص المطلوب وفقاً لمؤهلاتهم العلمية، ومتابعة وضعهم الدراسي في الخارج، ومعرفتهم لجهة ونوع العمل الذي سوف يشغلونه بعد التخرج، سوف يحفز المبتعثين على التحصيل الجيد، ويعظم الفوائد الإيجابية لمشروع الابتعاث.