العالم بأسره سمع ب (مهزلة) توقف المطارات البريطانية خلال الأيام المنصرمة وبالتحديد منذ يوم السبت الموافق 12 - 1 - 1432ه وحتى هذه اللحظة. لقد (تمتّع) البريطانيون بموجات من الجليد القطبي الذي عطّل بعضاً من وسائل المواصلات بما في ذلك المطارات الدولية. وعندها وقف الكثير من المغتربين في هذه الدولة (العظمى) وقفة اندهاش، إذ كيف تتعطّل الحياة في مثل هذه الدولة التي حكمت العالم في يوم من الأيام، بل كيف يصعب على هذا البلد الذي يعتبر منشأً للثورة الصناعية الحديثة، كيف يصعب عليه أن يتعامل بكفاءة مع هذه الأحوال الجوية المعتادة؟!
لقد تعطّل مطار هيثرو الشهير ذو المدرجين والخمس صالات وتعطّلت معه حياة مئات الألوف من المسافرين، واضطرّت إدارة المطار إلى نصب الخيام الضخمة لاحتواء أولئك المحتجزين واتخاذ إجراءات احترازية تجاه دخول الصالات بل والخروج منها! وأعيد تنظيم وجدولة الرحلات بحيث تم تشغيل ثلثها في اليوم الثاني والنصف في اليوم الثالث مع تمديد فترة الطيران المسائي كسبا لصفاء الطقس المؤقت.
كيف تعاملت الخطوط العالمية مع هذه الظروف؟ إن من يرصد الصالة الثالثة في مطار هيثرو وبالتحديد الزاوية الخاصة بالخطوط الجوية السعودية ليجد العجب العجاب حيث مئات من المسافرين السعوديين المحتجزين بينهم عدد لا بأس به من العوائل والأطفال والرضّع، وعدد آخر من المرضى، وعدد كبير من الطلبة الذين أتوا من جميع بقاع بريطانيا واحتجزوا في المطار حيث مصير رحلاتهم المجهول في الداخل والصقيع في الخارج.الرحلات الأصلية توقفت في فرانكفورت بعد أن أقفل هيثرو أبوابه، إلا أنه وبعد تحسن الأحوال الجوية فُتح المطار لاستقبال الرحلات القادمة. بعدها أرسلت خطوطنا الموقّرة رحلات إضافية (طائرات الجيمبو الضخمة) لحل مشكلة المسافرين المحتجزين إلا أن المشكلة لم تحل. إذن كيف تعاملت الخطوط السعودية مع المشكلة وهل هناك ثمة انفراج؟ إن ما يزيد على 450 راكباً ألغيت رحلاتهم في اليومين الأولين وتم تجاهلهم لاحقاً! هل أظهرت خطوطنا الكريمة افتخارها الصادق بخدمة عملائها الكرام؟ أم أنها مجرد شعارات زائفة لملء اللوحات الإعلانية؟ إن مما فاقم المشكلة وزاد الشق على الراقع هو تضارب المعلومة واختفاؤها في بعض الأحيان!لقد كنت من المسافرين على رحلة اليوم الأول (SV104) واطّلعت بقرب على ما يحدث، ولم تسعفني الرحلات الإضافية (SV112) و (SV4103) ولا فرق بين مسافر وآخر أو درجة وأخرى فقد كان الأمر في بدايته(من سبق لبق)، وبعد تذمر الكثيرين بدأ التدقيق على الحجوزات والتأكيد على جميع المسافرين - الذين انتظموا في الصف لمدة فاقت الست ساعات - بضرورة وجود الحجز المسبق، مع العلم أن مركز الحجوزات التابع للخطوط (call centre) هو من وجّه المسافرين بالذهاب إلى المطار بعد أن أكد لهم حجوزاتهم. إن مما زاد غضب المسافرين هو أن هناك تضارباً في الحجوزات أيضا، حيث إن الكثير ممن لديهم حجوزات مؤكدة لم تقبل حجوزاتهم بدعوة أن الحجوزات لا تظهر في النظام، وبدأ الموظفون بالتشكيك في الحجوزات التي تمّت عن طريق مركز الحجوزات التابع للخطوط السعودية!
عندها قرّرت قرارا لا رجعة فيه بأن يكون سفري على خطوط أخرى ذات باع طويل وخبرة جيدة في التعامل مع النكبات ويهمّها بالفعل أن تفتخر بخدمة عملائها، وهذا ما سيكون بالفعل في رحلاتي المستقبلية.
وقفات:
- تعامل موظفي الخطوط السعودية في المطار متفاوت نسبيا، إلا أن الأغلبية كان تعاملهم حضاريا وراقيا في محاولة لامتصاص الغضب والتهدئة، وهذه حسنة لا ينكرها إلا جاهل.
- لقد أثبت ثلة من الشباب السعودي نبل أخلاقهم وسلوكهم الحضاري، إذ قاموا بمساعدة موظفي الخطوط في إرشاد المسافرين وحثّهم على الالتزام بالنظام وضبط النفس، ولقد أثلج ذلك الصدر بالفعل.
- فوضى مطار هيثرو كانت عارمة في اليوم الأول وشاملة، وسيطرت إدارة المطار على الوضع وعولج احتجاز الكثير من المسافرين على الخطوط الأخرى في الأيام التالية، وبقيت الفوضى في الركن الخاص بخطوطنا الموقّرة. الذي يراقب مسافري الخطوط الأخرى القريبة من الخطوط السعودية (وهي خطوط كاثي باسيفيك والخطوط الأمريكية) يرى دهشتهم مما يحدث حولهم حيث تسير أمورهم بانتظام ويجدون الرعاية الكاملة من خطوطهم، بينما يرثى لحال مسافرينا وعوائلهم وهم يواجهون عجز موظفي خطوطنا المحببة عن خدمتهم!
- ما يثير الاشمئزاز هو انعدام المعلومة لدى الموظفين وانعدام التواصل بين الموظفين في المطار والعاملين بمركز الحجوزات، ويدل على ذلك هو تأكيد الحجوزات من قبل المركز وتجاهلها من قبل الموظفين في المطار!
- ما حدث مع الخطوط الأخرى هو تسيير رحلات إضافية لتستوعب المسافرين المحتجزين، أو إركاب المسافرين في رحلات خطوط أخرى حليفة أو على رحلات أخرى على نفس الخطوط أو تعويض المسافر ماديا، الذي نعلمه أن الخطوط السعودية قد قامت بالفعل بتسيير رحلات إضافية، إلا أن المشكلة تزايدت بسبب تضارب الحجوزات الذي لم نفهمه حتى هذه اللحظة.
- مشرف الرحلة المناوب ومساعدوه كانوا منشغلين بمتابعة المكالمات الجانبية التي أهدرت وقتا كبيرا كان من المفترض استغلاله لمساعدة المحتجزين.
- ما يجعل الحليم حيرانا هو أن الرحلات تنطلق من مطار هيثرو إلى جدة والرياض وفيها عدد لا بأس به من الأماكن الخالية! هل لتضارب الحجوزات سبب في ذلك؟!
أخيراً، تضارب المعلومات، تضارب الحجوزات، المكالمات الجانبية، عدم معرفة التعامل مع الحوادث العارضة وأوقات الطوارئ، كل ذلك يدعوني إلى أن أقرأ السلام على خطوطنا الحبيبة وأقول الوداع.
أكاديمي - جامعة الملك سعود