تأليف: جوهن جاكوب هيّس
ترجمة: محمود كبيبو
قراءة: حنان بنت عبدالعزيز آل سيف (بنت الأعشى)
ترجمة: محمود كبيبو
ينقسم العرب إلى بدو وحضر، ولكل قسم منهما أسماء معروفة وموثقة. الطريف في الأمر أن بعضاً من أبناء الحضر ينشؤون ولا يفهمون الأسماء البدوية، فشأنهم شأن القريب من ديارنا، والبعيد عن أطلالنا. وللبدو طريقة في إطلاق الاسم على أولادهم، ولكن هذه الأسماء تُطلق عادة بعد الولادة مباشرة. وبين يديّ كتاب ماتع، أسلفت لك اسمه واسم المؤلف، ثم اسم المترجم، وجاء به بيت الوراق للطباعة والنشر، وأنا أقرأ في الطبعة الأولى لعام 2010م، وهو كما يشير العنوان للبحث في أسماء البدو، خاصة وسط الجزيرة العربية. يقول المؤلف (جوهن جاكوب هيس) في ناصية الكتاب: (نشأت مجموعة من الأسماء الشخصية المذكورة هنا في صيف 1909م في دائرة من حضر نجد الذين كنت ألتقي بهم كل يوم، وذكروا لي ثلاثمائة اسم من الأسماء البدوية التي تبدو لهم غريبة ومتميزة، وفي وقت لاحق دققت هذه الأسماء مع بدو أكدوا لي صحتها، ثم أضفت إليها أسماء أخرى حتى وصلت إلى حجمها الحالي، وذلك بأن سألت جميع بدو نجد وغربي الجزيرة العربية الذين تعرفت عليهم في مصر في أسماء أصدقائهم ومعارفهم، والغالبية العظمى من هذه الأسماء تنتمي إلى قبيلتَيْ عتيبة وقحطان البدائيتين).
والحرص والمصداقية من المؤلف (جوهن جاكوب هيس) يظهران لنا الدافع والباعث الحثيث الذي دفعه - وهو مستشرق - لملازمة البدو ودراسة أسمائهم، فيقول لنا: (الأمر الذي دعاني إلى وضع هذه المجموعة الرغبة في إلقاء نظرة على طبيعة إعطاء الاسم لدى بدو شبه الجزيرة العربية، ثم حقيقة أن كثيراً من الأسماء الوارد ذكرها في أقدم الكتابات العربية لم تكن موجودة في القوائم التي اطلعت عليها والتي تعود إلى العصر الكلاسيكي، لكنها ظهرت مرة أخرى بين هذه الأسماء البدوية الحديثة، وهذا الوضع جعلني أنشر بتشجيع من ليدز بارسكي وليتمان كامل المواد، متوقعاً أن يعود هذا ببعض الفائدة على عالم الكتابات العربية القديمة). ويمضي المؤلف بكل هدوء وطمأنينة وثقة بالنفس إلى شرح طريقة وكيفية التسمية عند البدو، والقاعدة التي انطلقت من خلالها التسمية فيقول: (يتضمن هذا العمل بمعظمه أسماء شخصية لبدو من وسط شبه الجزيرة العربية! لكنه يحتوي إلى جانب ذلك على بعض الأسماء لبدو من غربي شبه الجزيرة العربية ومصر ولحضر من قصيم طالما كانت هذه الأسماء مشابهة للأسماء البدوية). ثم يشرح قاعدته التي بدأ منها بقوله: (عند القراءة الأولى لهذه الأسماء سيلاحظ المرء أن الأسماء المركبة في كلمة (الله) وكذلك الأسماء الإسلامية الشائعة جداً مثل أحمد وطه.. إلخ تكاد تكون معدومة عند البدو خلافاً لما عليه الحال عند الحضر، بالمقابل سيجد أسماء تعبر عن صفات وأشياء طبيعية من نباتات وحيوانات و.. إلخ، وسيجد أيضاً أن الصيغ المختصرة والأسماء المؤلفة من جملة التي كانت شائعة في اللغات السامية القديمة لم تعد موجودة في وسط شبه الجزيرة العربية، أما الأسماء المؤلفة من جملة والأسماء المرتبطة بحرف جر فلم أجدها إلا لدى أولاد علي المصريين الذين يتكلمون لغة عربية قديمة تشبه في كثير من الجوانب لغة نجد، كل هذه الأمور يلاحظها المرء عندما يطلع على أسماء عائلية بدوية تتألف من عدد غير قليل من الأفراد). وبعد هذا ينطلق المؤلف إلى القواعد التي يتم إثرها التسمية، وقد جعلها ثماني مناسبات: أختصر لك منها الآتي:
عند الولادة:
1- استناداً إلى الظروف الخارجية المرافقة للولادة: ماطر وُلد نهار المطر. صنيتان من أصنيت أي بقي طويلاً لأنه بقي في بطن أمه اثني عشر شهراً.
2 - الحالة النفسية للأم: موهق أي جالب الهم؛ لأن أمه طُلقت قبل عشرة أيام من ولادته.
3 - زمن الولادة: رميضين لأنه ولد في رمضان، محارب لأنه ولد في زمن الحرب.
4 - مكان الولادة بصورة عامة: مفيّد، أي الصحراء الرملية سمي هكذا لأنه ولد في نفود.
بصورة خاصة: رمثان لأنه ولد في الرميثي وهي موقع مائي عند البئر.
5 - الاعتماد على أسماء الأشياء وغالباً دون سبب واضح: دلة (مؤنث) وبكرج (إبريق القهوة)، صليبيخ اسم التصغير (لحجر ناري، لكن أباه لم يكن يعلم سبب إعطائه هذا الاسم).
6 - الاعتماد على أسماء أطفال سابقين أو إلى اسم الأب بحيث يتم غالباً: اختيار صيغة أخرى للاسم أو اختيار جذر مشابه، ولذا ماطر سمي ماطرة، ومطيران، وسميت أخت شدة التي ولدت يوم الرحيل (مضناتن النهار الشديد): شديدة، وقد أطلق اسم ضبيب على أحد البدو لأنه كان في طفولته يتحرك كالضب، لما جاءه ولد ذكر سماه سحيلي أي فرخ الضب.
وأخيراً: عند التقدم في السن يُعطى الأشخاص غالباً أسماء مأخوذة من صفات بارزة، أو في أحداث متميزة تحل شيئاً فشيئاً على الأسماء السابقة، فقد سمي مثلاً أخو موهق بعد إصابته بمرض خطير جداً ناجي، وسميت مفيديبة ابنة الشيخ شليويح من العتيبة في وقت لاحق بسبب وجاهتها: العاتي أي المعتزة بنفسها. وإلى جانب هذه الأسماء الحقيقية لكل شخص هناك أيضاً الألقاب والكنية والتسمية باسم الابن، فقد سماني عرب وسط الجزيرة باسم ابني أبودالي.
والكتاب ممتع وفيه ظرافة وطرافة وبسط المعلومة بأسهل طريقة، والدليل على هذا فهرس الكتاب، ومحتوياته، والغريب فيه أنه مستشرق غربي يغوص في أعماق البادية، وتبدو فحولته في التعايش معهم وفهم ألفاظهم وتذوق معانيهم ثم تدبيج كتاب في أسمائهم ممن قد يجهلون هذه اللمسات، ثم ذكاء المؤلف في الاختيار والطرق والطريقة لا يختلف فيه اثنان.
ص ب 54753 الرياض11524فاكس: 2177739
hanan.alsaif@hotmail.com