كان من الجميل والمفيد أن من أعدُّوا الندوة عن الشباب وظاهرة العنف وزَّعوا مجلداً من خمس وسبعين صفحة مشتملاً على خمسة بحوث سبق أن أعدَّها باحثون مختصون، وذلك للاسترشاد بها في المناقشة أثناء الندوة، وهذه البحوث هي:
- العنف ومظاهره المختلفة في الشارع والبيت والمدرسة والجامعة، للدكتور قدري حفني.
- العنف وعلاقته بالاضطرابات النفسية والجنسية والإدمان، للدكتور ماجد إبراهيم.
- ثقافة الخوف، للدكتور قدري حفني.
- الهوية وثقافة العنف لدى الشباب.. تصور مفاهيمي، للدكتور عمار حسن.
- التشبيك والتواصل والنوعية العلامية في إطار ظاهرة العنف عند الشباب، للدكتورة نائلة عمارة.
وكل المختصين الكرام، الذين قاموا بإعداد تلك البحوث، من جمهورية مصر العربية، ومما ورد في البحث الأول ذكر الباحث تزايد معدلات العنف في الشارع والبيت والمدرسة والجامعة، وأن ممارسة العنف ستزداد سوءاً لدى الجيل القادم؛ ومما أشار إليه الباحث ثقافة الهزيمة في مقابل ثقافة الانتصار، التي من أهم ملامحها -في نظره- ميل المهزوم إلى تحاشي إرجاع بعض عوامل هزيمته لأسباب داخلية تتعلَّق بالفساد وتحلُّل القيم، وقصر الأمر على قوة المنتصر، ومما قاله: مكمن الخطر أن ينسى الجميع، أو يتناسوا، أنهم جميعاً، سلطة ومعارضة، في قارب واحد، وأن أمريكا لم تعد كما كانت على أبواب المنطقة، بل أصبحت في قلبها بالفعل، ولم تعد تحرص على إخفاء خططها.
ومما ذكر الباحث ماجد إبراهيم في حديثه عن العلاقة بين الإدمان والعنف أنواع العنف الناتجة عن الإدمان، وقال: إن العنف المنزلي بين الزوجين، أو سوء معاملة الأطفال، أصبح معدَّله بين الزوجين متساوياً بين الرجال والنساء بعد أن كانت نسبة الرجال هي الأكبر، وقال، أيضاً: إن مصر على رأس قائمة الدول التي تحدث فيها إصابات الطرق، ولم أكن أعلم أن هناك دولة تنافس وطننا العزيز في حوادث الطرق التي تنتج عنها وفيات وإصابات فادحة أخرى.
وإضافة إلى أن الدكتور قدري حفني هو معد البحث الأول فإنه كان المعد للبحث الثالث، وهو «ثقافة الخوف»، ومما ورد في حديثه هنا قوله: إن المجتمع في مرحلة معيَّنة من مراحل تطوره السياسي والاجتماعي الاقتصادي يصل أبناؤه إلى النفور من الحرية، ويسعون لاكتشاف «البطل» الذي يتيح لهم التخلُّص من أغلالها، فيلتفون حوله، ومما ورد في ذلك الحديث، أيضاً، قوله: إن جميع المحاولات للقضاء على الأفكار بدعوى اجتثاث الجذور الفكرية للعنف أو للفوضى أو للدكتاتورية أو العنصرية ليست سوى أوهام تدحضها حقائق العلم والتاريخ معاً، وقد يوافق الباحث من يوافقه، لكن من المعلوم أن الرسالات السماوية غيَّرت الشيء الكثير من الأفكار غير السويَّة.
أما البحث الرابع، الذي أعدَّه الدكتور عمار حسن، فتناول -كما سبق أن ذكر- «الهوية وثقافة العنف لدى الشباب» ومما تضمنَّه تعريف الهوية، وتعريف العنف، وتعريف الشباب، وعلاقة هذه الأمور بالعنف، وقد قال الباحث عن الهوية: إنها مفهوم متعدد الجوانب يتعلق بفهم الناس وتصورهم لأنفسهم ولما يعتقدوا أنه مهم في حياتهم، وأن هناك نوعين من الهوية: ذاتي واجتماعي، ومما قاله في تعريف العنف: إن هناك ثلاثة اتجاهات في تعريفه. الأول النظر إليه باعتباره الاستخدام الفعلي للقوة المادية بشتى صورها. والثاني عدم قصره على استخدام القوة المادية، بل يمتد إلى التهديد باستخدامها. وأما الثالث فهو النظر إليه على أنه نتاج خلل في البناء الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. وهو يتخذ عدة صور منها ضعف التكامل الوطني وتنامي النزعات الانفصالية وغياب العدالة الاجتماعية والسقوط في فخ التبعية لدول خارجية.
وأما البحث الخامس الأخير فهو عن (التشبيك والتواصل والنوعية الإعلامية) في إطار ظاهرة العنف عند الشباب، وهو من إعداد الدكتورة نائلة عمارة. ويتناول البحث دور الإنترنت، التي يعدها الشباب المتنفس الإعلامي الجديد للشباب الذي فقدت مؤسسات الدولة قدرتها على احتوائه، ومن أهم ما ورد في البحث الإشارة إلى دراسة عن حوادث التحرُّش الجنسي في مصر، وقد ورد في هذه الدراسة أن حوالي 50% من النساء تعرَّضن لبعض أشكال التحرُّش الجنسي، وأن حوالي 98% تعرَّضن للتحرش بالقول، و43% تعرَّضن للتحرش في المواصلات العامة، وأن 9% تعرَّضن للتحرش من رؤسائهن أو زملائهن.
تلك إشارات إلى شيء مما ورد في البحوث التي وُزعت على المشاركين في الندوة عن «الشباب وظاهرة العنف» فكيف كانت مجريات تلك الندوة بعد كلمات افتتاحها؟.
كانت الجلسة الأولى محصورة في حديث أطلق عليه «ورقة المؤتمر الرئيسية»، وكان المتحدث فيها الدكتور علي الدين هلال، وزير الشباب والرياض السابق في مصر، وأمين الإعلام في الحزب الوطني الديمقراطي، ومن المؤسف جداً أنه لم يلق ورقة معدة إعداداً علمياً مناسباً لموضوع الندوة، بل راح يتكلم بكلام أغلبه باللغة العامية، ويلقيه بطريقة أقرب ما تكون بإلقاء مدرس على تلاميذ مدرسة ابتدائية، بحيث كان ينتقل من طرح سؤال إلى تعليق على إجابات الحاضرين دون رابط موضوعي للأسئلة. وكان مما طرحته إحدى الأردنيات سؤال لا ينم عن معرفة بالشريعة الإسلامية، وهو: لماذا يباح للرجل تعدد الزوجات في حين يحرم على المرأة تعدد الأزواج؟ وتضمنت إجابته عن ذلك السؤال الثناء على أول رئيس لتونس، الحبيب بورقيبه، ولم يكن في ذلك الثناء ما يشير إلى دوره العظيم في حصول بلاده على استقلالها الوطني، بل لأنه قام -كما قال- بمنع تعدد الزوجات، وجعل العمل في رمضان كالعمل في غيره من الشهور، وفي هذا ما يحتاج إلى توضيح، فقد منع تعدد الزوجات في تونس، لكن هل منع اتخاذ الرجل خليلة له بدون زواج؟.. أما بالنسبة لشهر رمضان فلم يقل بورقيبه: إن العمل في ذلك الشهر كالعمل في الشهور الأخرى، بل أفتى للطلاب والعمال أن يفطروا في شهر رمضان. وفرق بين كون الناس يعملون في أيام رمضان كما يعملون في أيام الشهور الأخرى وبين إفتائهم بعدم صوم ذلك الشهر.
وكان الناس في المملكة يعملون بجد في أيام رمضان تماماً كما كانوا يعملون في أيام الشهور الأخرى إلى أن تغيَّرت عادات المجتمع في الفترة الأخيرة بحيث حوَّل كثير من الناس الليل إلى سهرات لا تعرف للنوم سبيلاً. وهذا ما أدَّى إلى أن يكون الأداء في نهار رمضان ضعيفاً جداً.
وبعد إلقاء هلال كلمته، التي كانت -بالنسبة لي- مخيَّبة للآمال قُسِّم المشاركون، كباراً وشباباً، إلى مجموعات تناقش كل مجموعة محوراً من المحاور الخمسة التي تناولتها البحوث الموزَّعة على المشاركين، وإضافة إلى ذلك اجتمع أعضاء كل المجموعات للاستماع إلى تجارب شبابية عرضها أصحاب تلك التجارب. وقد تحدَّثت الأستاذة سمر كلداني من الأردن عن جائزة الحسن بن طلال للشباب المساهمين في التنمية الاجتماعية. وتحدَّثت الأستاذة هبة الرافعي والأستاذ أحمد ماهر من مصر عن إسهامات مكتبة الإسكندرية، وتحدَّث الشاب محمد راضي عطا من فلسطين عما يسمى «بسطة إيداع»، وهي مبادرة تقوم بعرض الإبداع عن الناس في الشوارع والأمكنة العامة. وتحدَّثت الشابة روميلة الأغبري من اليمن عن مبادرة التنمية الشبابية المجتمعية «نسيج»، وإسهاماتها في تلك التنمية.
ولقد كانت لي سعادة غامرة في حضور عدد من وجوه نشاط منتدى الفكر العربي، وأفدت من ذلك الحضور إيما إفادة. على أن الندوة التي تمت في رحاب مكتبة الإسكندرية لم ترق إلى مستوى ما حضرته من وجوه نشاط المنتدى السابقة.
زاد الله العاملين لخير الأمة توفيقاً وسداداً.