الدنيا مليئة بالفعل بالغرائب والعجائب، وربما أطرفها ما يسميه أهل المنطق: «العجب العجاب»، فقد شاهد جل العالم من خلال التلفزيون مادة «متعوب عليها»!! « للفريق الأفغاني النسائي لكرة القدم» حيث أقيمت مباراة ودية وخذوا الأمر بروح رياضية، لتأكيد التيقن بأنها ودية، إلا أننا لا نعلم عن مدى سخونة هذه المباراة وإثارتها، لأن غرابة الخبر قد طغت على الأحداث الأصلية للمباراة.
من أراد أن يبقى معي لنقلب فحوى وجود هذا الفريق النسائي لكرة القدم في أفغانستان ولاسيما في هذه الأيام العصيبة فعليه أن يتسلح معي بالصبر فقط لا بشيء آخر، وألا يكثر الأسئلة الحدسية (كيف؟ ولماذا؟ ومن وراء ذلك؟) أو الاستعلام بتذاك عن أي سبب ممكن أو غير ممكن، وربما من المفيد ألا يذهب بعيداً في دهاليز ومتاهات السياسة التي تعصف بذلك البلد البريء والعفوي والمحافظ.
ومن المهم أن نأخذ آخركلمة في الفقرة السابقة «المحافظ» .. نعم فالشعب الأفغاني يغرق حتى حدود الاختناق بالمحافظة والتقليدية والسير منذ عقود طويلة خارج مسار العالم، بل إن أهل هذا البلد الصابرين ينشغلون دائماً في البحث عن اللقمة والدفء في بلاد تغلب عليها برودة الشتاء الدائم.. فكيف به وسط هذا البؤس أن يغذي هذا الشعور الترفي بلعبة كرة القدم النسائية عن سائر مطامعه ومطامحه الإنسانية البسيطة؟!
المقاربة العجيبة والأكثر طرافة هو غياب الفريق الرجالي لكرة القدم، أعني المنتخب الوطني الأفغاني!! إذ لا أثر له على خارطة الرياضة المحلية والعالمية، فهل هو مشغول بالبحث عما يسد الرمق أو بالمقاومة التي باتت أثرا بعد عين، بعد هجرتهم الدراماتيكية من «طهارة الجهاد إلى قذارة السياسة» حيث لم يلوح في الأفق حتى الآن أي أمل في هذا النفق المظلم. خبر أو تقرير تشكيل المنتخب الأفغاني النسائي لكرة القدم تتخيله كمن يبني سقف الدار قبل الجدران، أو كمن يضع العربة أمام الحصان، فلم يعد خافياً على أحد أن ليس هناك أي حلول ممكنة في هذا البلد حتى وإن أقمت الدوري الأوربي أو حتى كأس العالم فيه، لأن الوضع يحتاج إلى فريق لا يتضور جوعاً أو يموت برداً، ناهيك أن تنشد فيه روح الرياضة والمنافسة التي يتمناها الجميع لبلادهم، كما أنه من العدل والإنصاف ألا نضع أفغانستان لوحدها في هذه السلة المحتدمة بنقد الأسئلة إنما يشاركها الكثيرمن البلاد التي تحتاج إلى دواء وماء وغذاء قبل هذه المباريات على نحو الفريق الأفغاني.
