أرسل إليّ برنامج جوال نبأ وفاة ماجد مرزوق الدوسري، فيما يرسل من أخبار الوفيات!
هذا الاسم في ذاكرتي منذ أكثر من خمس وعشرين سنة، أرقني الخبر وخرجت بعد صلاة الفجر أنقل الخطى في فضاء عرقة الرحب، استغفر الله سبحانه، وأسترحمه نفسي ونفس الراحل الغالي.
لماذا تبقى صورة طالب في ذاكرة معلم كل هذه السنين، ويرتجف لخبر وفاته؟ ويشعر بوقعه الحزين في أعماق نفسه؟!
إن ذاكرة المعلم تحتفظ بصورة نوعين من الطلبة هم: المميزون علمياً وخلقياً، والمشاكسون المزعجون سيرة وسلوكاً، ومع مرور الزمن تمحو الذاكرة صورة المشاكسين لعدم الرغبة فيهم وللتخلص من ثقلهم، فتبقى الصورة الإيجابية الناصعة للطلبة المجدين والمؤدبين. وهذا هو تفسيري لبقاء صورة الطالب السابق، والضابط في الحرس الوطني ماجد مرزوق الدوسري، في ذاكرتي، وإحساسي بالحزن والألم لرحيله المفاجئ وهو في ذروة عافيته الصحية، وزهو عمله الوظيفي، بينما والده العم (مرزوق) ضيف السرير الأبيض منذ سنوات ينتظر موعد إقلاع رحلته غير المحدد. هذا ما علمته من أحد زملاء ماجد.. الذي قابلته حين تشييع جنازته ودفنه في مقبرة أم الحمام بمدينة الرياض.
فقد كان منصور الأخ الأكبر لماجد واخوته الأصغر سناً يتلقون التعازي بغياب والدهم الذي لم يستطع الحضور!
لقد استمرت علاقتي بالطالب السابق (منصور) والضابط في جوازات الرياض عبر لقاءات مفاجئة في أماكن متعددة لعمله، ثم في صلاة العيد والجمعة في عرقة، فكان في كل مرة يشعرني أنه الطالب المجد والمؤدب نفسه، وأنني المعلم الذي أحظى بتقديره واحترامه، حتى عندما مددت إليه يدي مصافحاً وذراعي محتضناً معزياً برحيل شقيقه (ماجد)، كان حاضر الذهن، مطمئن القلب، هادئ الجوارح، فلم ينس أنه كان طالباً وأن معلمه أمامه فبادر لتقبيل رأسي، وما كنت قادراً على الامتناع لقامته المديدة المطلة علي، وقصر قامتي أمامه!!
يا له من موقف جعل مشاعري تغلي حزناً وحباً وتقديراً، فحبست دموعي بصعوبة بالغة! وانسحبت من بين الجموع جانباً.
منصور وماجد.. طالبان مثاليان للجد والأدب والوفاء، عندما أذكرهما، وأذكر والدهما العم (مرزوق)، أذكر الآية الكريمة في وصف طالوت عليه السلام ?وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ?، وأقول في نفسي: لقد زاد الله سبحانه هذين الشابين بسطة في الأدب والجسم، ومنحهما من نور العلم ما جعلهما في مواقع عمل مهمة.
فرحمك الله يا ماجد، وأحسن الله عزاءكم يا عم مرزوق، وأيها الأخ الضابط منصور، وسائر الأسرة الكريمة.
(*) الرياض