أيها البحر والهدوء والزلزلة، يا قمر، يا عشب، يا قنديلاً يطل علينا من الرابية، يا حلم، يا شجرة مثمرة، يا وضح النهار، يا ماء في الأفق المفروش، يا صاحب المجداف والمقود، يا حامل المصابيح العظام، يا سفينة تجري بنا سارحة، بيدي زهرة قرنفل، وفاكهة نضرة، وابتسامة فارهة، سأمضي إليك مثل الريح، لأحط عند شجرتك الشجرة، وأمنحك باقة زهر، وسلة فاكهة، وكلاماً جميلاً مطرزاً بتراتيل المفردة، أيها الأمير الجليل، يا همهمة القصيدة، يا مبللاً بالشمس، يا غيمة حبلى بالمطر، يا نصوص الكلام الشفيف، ويا الغناء المصون، يا سليل الملوك الملوك، يا مهجة الشعر، وقول الشعر، وبارقة السناء، ومستحق الثناء، يا ذا الصفات البارقة، والعلامات الفارقة، يا الذي يغار منه الرجال الرجال، يا البياض الذي يهدر بياضاً، يا سيد البنفسج، والمروج الخضر، والنبت والزينة والغرس، يا ظلال الظلال، يا موغلاً في القلب، وساكناً في الذاكرة، يا سوسنة الرجاء، يا نهر، يا أبواب البحر، يا حقل، يا فاكهة، يا غصناً أثقله امتلاء الثمر، يا نصب نصر، يا الأماني العظام، يا مطراً يلثم أوراق الروح، يا قامة نخيل مثقلة بالطلع، يا حبلاً يمتد من أقصى الأرض إلى أطراف السماء، يا شهقة تلامس بشرة مطر آت، يا باحة الدار، وظل الدار، وسور الدار، يا سوسنة الكلمات عند شرفة اللهفة، أيها الأمير الأمير، حشدت لك الكلمات هتافاً، والبلاغة لافتات، أناملي الغارقة في بحار الحبر كتبتك عطراً يزهو بك، يا فيوض الشموع، ويا ندى النوافذ، يا وجه الماء، ولون الحقل، والعشب الندي، لا حروف فاسدة عندي، ولا عطن ولا بهتان، ولا فصيلة خبث في دمي، ولا مشاكة زائفة في روحي، ولا مكائن أو مكامن أو مكايد في جسدي، ولا أمارس الجهل والتنطع، وليس لي سعار أو نباح أو شرور أو تجنٍ، غير أن كريات دمي أبت إلا أن تتحرك نحو شرايين دمك في احتفاء فوق العادة، لأهديك كلاماً معجوناً من شمس وقمر وحروف من نور ووهج، أيها الأمير الأمير، يا ابن من بضلوعه وعرق جبينه شيّد لنا معالم هذا الوطن، يا ابن من بلهفته وحبوره خلّصنا من جحيم الحياة، وفتح لنا فردوس الرحمة والضياء، يا ابن من نسج من خيوط دمه هيكلاً وكياناً، يا ابن من وحّد الوهاد والحدود، يا ابن من أرعب الليل بحوافر الخيل، يا ابن من ألغى الصراخ والجوع والظمى، وجعل من الجدب حقول قمح وسناء، يا ابن من خرجت من أفعاله البيضاء آية، كلما رويت عنه حكاية عظيمة، جاءت بعدها حكاية وآية، أيها الأمير الأمير، الشمس في جبهتك، والقمر في حضرتك، أمارتك مزدحمة وعامرة، تدخل فيها حشود، وتخرج منها حشود، بابك فيها مشرع، وسراجك فيها مضيء، وقولك فيها الفصل الحد، فيها القضاء، وفيها الثناء، وفيها البهاء، وفيها النقاء، أيها الأمير الأمير، يا لوحة الماء، يا الصباح الندي، يا سيد النخيل الخضر، يا مطر السحاب، يا أرض الربيع، يا الحرث، يا الزرع، يا البرق، يا نضج الطعام، أيها الأمير الأمير، أكتب إليك بلا مناشف، عارٍ إلا من جلدي ولحمي وعظمي وولائي، وصدق معنى وقافية، ومتعة حرف وعافية، وأضلع حانية، ولأن فيك امتلاء، وفيك اكتمال، وفيك روح حالمة، لهذا تشد حروفي إليك مطايا مطايا، لتنوخ ببابك طائعة، ولأهب لك تحيتي وسلامي، فسلام عليك، سلام عليك مثل رغيف الظهيرة، سلام عليك يقولها طائر في السماء رآك فغرّد وغنّى، سلام عليك يا ضياء المدينة وضفة المدينة وأمير المدينة، سلام عليك حين يحط الحمام، وحين يطير الحمام، وحين يجيء الغمام، وحين يحل السلام، وحين يقوم الأنام صلاة لرب الأنام، سلام عليك من فاتحة الكلام لآخر حدود الكلام.