من يتابع فيلم (الحكاية) الخاص بمشوار الأخضر في بطولتي أمم آسيا الثامنة 84م والتاسعة 88م سيدرك أن نادي النصر بنجومه ماجد عبد الله ويوسف خميس ومحيسن الجمعان وفهد الهريفي وصالح المطلق كان في تلك الفترة حاضراً بقوة ومساهماً بسخاء في تحقيق هذين الإنجازين المهمين في تاريخ الكرة السعودية, هذه المفارقة بين نصر الأمس واليوم تجعلنا أمام حقيقة تشير إلى أهمية أن تتغير أحوال النصر وأن يعود كما كان.. على اعتبار أن ما يصيبه سينعكس لا محالة على مستوى الكرة والمنتخبات السعودية, نصر السنوات الأخيرة يتداعى بفعل أهله وذويه ومحبيه والمتصارعين عليه وليس من أجله, وما حدث في لقاء التعاون الشهير جسَّد الكثير من ثقافته ومفاهيمه وأفكاره المهلكة..
المباراة بين النصر والتعاون فما دخل الهلال فيها؟ رئيس النصر الأمير فيصل بن تركي يهاجم الحكام واللجان وخصوصاً لجنة الانضباط لأنها لم تعاقب لاعبي الاتحاد على ما بدر منهم في لقاء الفيصلي, وفي التصريح ذاته يقول يريدون عرقلة النصر والاتحاد من أجل الهلال..؟!, أما في تحليلاتهم وآرائهم وانتقاداتهم فيتركون التصريحات الواضحة والاتهامات الشخصية القاسية ضد الجميع والاعتداءات الشنيعة على الحكام ورجال الأمن داخل الملعب وخارجه والمنقولة بالصوت والصورة وبأدق التفاصيل ويعتبرونها أحداثاً عادية وردود أفعال مبررة, بينما تفرغوا وأخذهم الحماس وأعياهم البحث والتنقيب والتفتيش باتجاه تصريح الأمير عبد الرحمن بن مساعد عن مباراة فريقه أمام التعاون والتي خرج فيها متعادلاً بضربتي جزاء اتفق معظم المحللين على عدم صحتهما, ولأنهم لم يجدوا في كلامه أية إساءة أو طعن في نزاهة الحكم عندما قال: (بعض الحكام يتجرأون على الهلال باحتساب ضربات جزاء غير صحيحة بسبب سوء التقدير) اقتطعوا جزئية (يتجرأون على الهلال).. وبنوا عليها اتهامات ودلالات وعبارات وتفسيرات وحكايات وبرامج وأطروحات.. وأصدروا بموجبها أحكاماً تضع الهلال في قفص الاتهام وتصادر عليه تفوقه وبطولاته وإنجازاته, وتجعل رئيسه مذنباً يجب محاسبته.. بل ومعاقبته شر عقوبة, وزادوا على ذلك مؤكدين أن كل ما حدث ويحدث من مشكلات وتصريحات واعتداءات على التحكيم وحكامه هي بسبب وبتأثير مباشر من التصريح الخطير والهجوم العنيف من الأمير عبد الرحمن..!!
هذه المواقف المتناقضة والمتكررة موسمياً تمثِّل إشكالية بعض الفرق.. وتحديداً النصر في قراءة واقعه وفي طريقة تعامله مع منافسيه وإعادة بناء وهيكلة خططه وبرامجه وطموحاته، ودخوله في قضايا وصراعات وملاسنات لا تحقق له شيئاً مفيداً بقدر ما تورطه وتمنع تقدمه وتزيد أموره تعقيداً, وما حدث وما قيل من أطراف رسمية وإعلامية وأخرى محسوبة عليه بعد لقاء التعاون.. يدل على أن النصراويين يقحمون الهلال بكل صغيرة وكبيرة.. وأنه السبب الأول والأخير في كل أزماتهم المالية والإدارية والفنية والشرفية ويهتمون بتشويه صورته أكثر من اهتمامهم بناديهم حتى في القضايا التي تخص الهلال مع جهات وأندية غير النصر.. وأسلوب شتم الهلال بات ملازماً لهم ويتم التنافس بين الإداريين وأعضاء الشرف والإعلاميين على استخدامه والاحتفاء به لدغدغة مشاعر الجماهير وصرف أنظارها عن الأخطاء الحقيقية, مما جعل عودة النصر للبطولات أمراً صعباً وضرباً من المستحيل..
قلدوا الليث والعميد
على عكس ما يجري في النصر نجد أن الشباب رغم تواضع شعبيته وقلة نفوذه رسمياً وإعلامياً استفاد في مطلع ومنتصف التسعينيات الميلادية.. وحتى يومنا الراهن من انشغال النصراويين بهكذا أجواء هي للعبث بتاريخهم ومقدراتهم والإحباط لجماهيرهم أقرب من أي شيء آخر, فاختاروا - أي الشبابيين - طريق بناء وتقوية القاعدة والاهتمام باستقطاب المواهب والنجوم والتعاقد مع أفضل المدربين واللاعبين غير السعوديين.. فحازوا في العقدين الأخيرين على عدد كبير من البطولات المحلية والإقليمية والقارية, وبدأ يعود تدريجياً لسابق حضوره وجماهيريته إبان تأسيسه, وصار الليث المنافس القوي والشرس والحقيقي للهلال في العاصمة, ومثله فعل الاتحاد أواخر العقد الماضي وما زال المنافس الأقرب للهلال في تعداد البطولات ودعم المنتخبات, وهذه لم تأت من فراغ أو بالأوهام والأمنيات وإنما بالعمل الجاد وبضخ مئات الملايين.. وجلب أبرز وألمع النجوم حتى أصبح العميد في العقد الأخير أحد عمالقة القارة..
جماهير الشمس من غيّبها؟
الغريب والمؤسف أن جماهير النصر الوفية والغفيرة ظلت طيلة السنوات الماضية مستسلمة سريعة التأثر سهلة الانصياع والإقناع غائبة أو مغيَّبة محرومة.. ليس فقط من تذوق طعم البطولات.. وإنما من اتخاذ موقف يحفظ حقوقها ويرد لها اعتبارها ويحترم عقلها ومشاعرها.. ويثمِّن سنوات صبرها ويساعدها على فهم ما يدور دون خداع أو تزييف أو هروب إلى المجهول, لم تحظ بأية فرصة كما الجماهير الأخرى لبثّ همومها وتتلقى بوضوح الإجابات الشافية على أسئلتها المقهورة المنسية:
- لماذا تطور الشباب.. وبعده الاتحاد مقابل كساد وتدهور النصر؟
- هل يحارب التحكيم النصر حتى بعد الاستعانة بالحكام الأجانب الذين أداروا معظم المباريات المهمة والنهائية؟
- ما معنى أن لا يمر موسم واحد إلا ويحصل النصر فيه على مدى السنوات العشر الأخيرة على ضربة أو ضربتي جزاء في مباريات الهلال؟
- لماذا لم يكن التحكيم واللجان الأخرى ضد النصر المذهل قبل موسمين أثناء إشراف المدرب الداهية باوزا؟
- إذا كان التحكيم هو سبب ما يجري في النصر.. فلماذا أُلغي عقد المدرب زينجا؟
- ماذا فعل الكثير من أعضاء الشرف غير الكلام؟
- هل لدى النصر نجوم مؤثرون على المنتخب الأول كما في عهد ماجد ورفاقه؟
- كيف يكون النصر مظلوماً وهو في هذا الموسم في المرتبة الثانية بعد نجران في عدد ضربات الجزاء المحتسبة له (6) ضربات؟
- ( لا يُوجد لنا أي ضربة جزاء صحيحة أمام التعاون).. قائلها الكابتن حسين عبد الغني.. وليس السراح أو الفودة أو الزيد..
- فجأة غاب كُتَّاب الزوايا المتطفلون على الرياضة عن نقد مشهد العنف في الملز، سألنا عنهم فوجدناهم وقد دفنوا رؤوسهم هذه المرة في الرمال..!
- لو طُبقت لوائح الانضباط بطريقة صحيحة وعادلة.. لكان الهلال هو أكثر المستفيدين..
- أي منصف أو محلل فاهم لن يتردد بمنح الحكم فهد العريني الدرجة العليا في تقييم أدائه, وإذا كانت لديه أخطاء في المباراة الأخيرة فإن المتضرر منها التعاون وليس النصر..
- عُوقب نادي الجبلين بحل إدارته وإيقاف عدد كبير من لاعبيه.. علماً أنه لم يبدر منهم نصف ما شهدناه من إدارة ولاعبي وجماهير النصر.
