بعد مضي نصف قرن من إنشاء الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة انفتحت الجامعة على المجتمع المحيط، وعلى المحيط العالمي بانعقاد المؤتمر العالمي الأول عن جهود المملكة دولة المقر في خدمة القضايا الإسلامية.
لم يكن هذا المؤتمر هو الأول للجامعة، لكنه كان الأول في الانفتاح على الساحة الإعلامية والفكرية، إذ كان استقطاب كُتاب وقادة رأي من المجتمع السعودي - المجتمع المحيط-، وكذلك على الأكاديمية العربية والعالمية والسعودية في تخصصات متنوعة، وهذا عمل ريادي تشكر إدارة الجامعة على مسارها الذي نرجو الله أن يستمر سيلا جراراً لمزيد من التعولم والقبول بانفتاح أكبر على العالم المتطور في شتى مناحي الحياة.
رغم أن الجهد المبذول كان كبيراً، ومقدراً، إلا أن الأمل في قادم الأيام أحلى وأعلى مطلب ملح، في مزيد من التعولم محلياً وعالمياً والخروج من عالم الاعتزال الذي ساد ردحاً من الزمن على الجامعة، إذ كانت غير معروفة بما يكفي في إطار مجتمعها المحيط - السعودية - وكذا في محيطها العولمي، وإن نظرة على تاريخ نشوء فكرة الجامعة يعطي مجالاً واسعاً للتصور الذي كان يمكن أن تكون عليه الجامعة تلبية للتطلعات قبل نصف قرن، فحسب رؤية عبدالمعيد عبدالجليل من جمعية أهل الحديث المركزية في الهند في بحثه المقدم للمؤتمر سالف الذكر فإن نشأة الجامعة جاءت عند قيام المملكة العربية السعودية بعد انهيار الخلافة العثمانية لتحقق أملاً طال انتظار المسلمين له، ولعل تفكير الأمير وحيد الزمان الحيدر أبادي بنشوء جامعة إسلامية في المدينة المنورة قد قاده إلى إعداد مشروع مفصل لإنشاء الجامعة عام 1380هـ وتوج الملك سعود بن عبدالعزيز -رحمه الله- آمال المسلمين بأمره تأسيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة لتكون مؤسسة عالمية لنشر العلوم الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها وإبلاغ الرسالة الإسلامية إلى الناس كافة، وفي هذا تلاؤم بين اسم الجامعة وعالمية الدين الإسلامي، وجعل المدينة المنورة مقراً هو قرار حكيم.
إن الجامعة اليوم في حاجة إلى مزيد من ضبط الجودة وتوسعة خطوط الإنتاج الفكري والذهني للقائمين على التعليم للطلاب، ولن يتأتى ذلك إلا من خلال التعولم الفكري والإنساني وممارسة السلوك الداعي للتيسير دفعاً للمشقة التي ترهق الطلاب غربة عن أوطانهم وفي مستقرهم في المجتمع المحيط.
إن مجتمع طيبة الطيبة متمدن متعولم من زمن الأنصار، وإن انحسرت بعض العادات الجميلة التي عرف بها الناس المدينة وأهلها عرباً أو أفناء عرب، فقد صهرت المدينة التواجد الإنساني بالتكافل والتكاتف منذ المؤاخاة التي قامت بين المهاجرين والأنصار.