هل يعتبر تعيين شخص في منصب ما تكليفاً أم تشريفاً؟ سؤال يتردد كثيراً ويجيب بعض ممن أتاهم الله المنصب بأنه تشريف، يقدمون الشكر عليه لمن عينهم سواءً أكان في قطاع خاص أم عام، فيما يجيب الآخرون بأنه تكليف ويقدمون أيضاً الشكر والامتنان لمن قام بتعيينهم أو بترشيحهم.
وأياً كانت الإجابة فهي في اعتقادي تشريف وتكليف في آن واحد، يبحث من قام بترشيح أو بتعيين شخص ما مناسب لشغل منصب معين عن تحقيق ما يوجد في مهام تلك الوظيفة أو ذلك المنصب، لذلك تجد أن كثيراً ممن تم تعيينهم في مناصب قيادية بدلاً عن قيامهم بمراجعة ما هو مطلوب منهم وما هي النتائج المتوقعة، يفرحون ويقيمون الولائم بهذه المناسبة متناسين أن تعيينهم يُعتبر بداية عهد عملي جديد وأن ما هو مطلوب منهم يُعتبر أكبر من ما كان مطلوب قبل تعيينهم، وأن تعيينهم جاء تتويجاً لعطائهم وتقديراً لجهودهم ووفاءً ربما من قبل صاحب العمل أياً كان وانتباها لإمكانياتهم العظيمة، فينشغلون بالمنصب الجديد وينسون العمل، فتضيع المهام وتفسد الإدارة.
حتى نصل لجهاز إداري كفء وفعال قادر على مواكبة التغير، يُحسن إدارة الموارد المتوافرة بين يديه ويقدم خدمة متميزة للشركة أو المؤسسة أو الوزارة التي يعمل بها أو للمواطنين ويتفاعل معهم ومع متطلباتهم، أمر غاية في الأهمية خصوصاً في ظل الطفرة الاقتصادية والنهضة العلمية والعملية التي تعيشها البلاد.
فما الضير إذاً في تنصيب الأكفاء على رأس الهرم في كل منظومة سواءً كانت حكومية أو خاصة، يتولى مهامها ويضع الخطط الكفيلة بتحسين أدائها والقضاء على أي خطأ يمكن أن يتسبب في نخر بنيتها التحتية والفوقية، وما العيب في أن يقوم كل مسؤول حين تنصيبه القيادة بإعلان خطته خلال المدة الافتراضية لتوليه زمام الأمور ويشرح أمام رؤسائه ومرؤوسيه خطة العمل التي عمل على وضعها، ووضع وشرح الأهداف التي يراد لإدارته تحقيقها خلال مدة عمله. ما المشكلة في إعلان ميزانية الإدارة والكيفية التي سيتم صرف مدخولاتها خلال مدة توليه العمل، ما العيب في إعلانه عن الآليات التي يزمع تطبيقها لتحسين الأداء العام للإدارة، وماهية تلك الآليات التي سينتهجها في سبيل تعميق علاقة إدارته مع الإدارات الأخرى.
يخطئ من يظن أن التنمية عملية سهلة أو بسيطة بل هي معقدة في واقع الأمر ويقف في سبيل تحقيقها معوقات كثيرة، ولذلك فهي تحتاج إلى الخبراء والمخططين والقادة وإلى تشريعات مشجعة وتبني واحتضان لمشروعاتها وبرامجها على أن يكون ذلك بشكل مستمر ومستديم حيث إن التنمية عملية مستمرة ومتصلة ولا ينبغي أن تقف عن حد معين.
والجدير بالذكر أن من أهم أسباب نجاح الإدارة وضع الرجل المناسب في المكان المناسب من حيث الكفاءة والنزاهة والخبرة والقدرة على التحليل والاستنباط والاستقراء، الأمر الذي من شأنه أن يضمن استمرار نجاح الإدارة المناطة به على المديين القصير والبعيد.
يعاني القطاع الخدمي - العام والخاص - حقيقة مشكلات كبيرة منها ما يتعلق بالنظم الإدارية ومنها ما يتعلق بالكوادر الإدارية غير المؤهلة، هذا لا يعني عدم وجود إداريين ومتخصصين وناجحين في عملهم يبذلون قصارى جهدهم لإنجاح عمل مؤسساتهم. ولكن من الناحية الإدارية وبشكل عام نحن بحاجة إلى الاطلاع على التجارب الإدارية الناجحة في الدول المجاورة والمتقدمة وضرورة الاستفادة من تجاربهم وفق واقعنا الراهن.
إن تقديم الإداري في القطاع الخدمي لخطة عمل حين تسنمه مهام عمله يُعتبر أهم وأوثق عمل يقدمه خلال فترة عمله، إنه البيان الوحيد الذي يمكن من خلاله قياس نجاح أو فشل كل إداري ما لم يكن هناك تطبيقات أخرى لأنظمة تقيس أداء المدراء والإداريين - وأعلم يقيناً أنه لا توجد تلك التطبيقات في كثير من المنظومات في القطاعين العام والخاص، وإن وجدت فلا يتم تطبيقها بالوجهة الصحيحة -، إنه السبيل الوحيد لتجاوز الرسائل المبرمجة التي تصل لمسؤولي تلك القطاعات عن سير العمل بشكل إيجابي وبدون مشكلات، إنه الدليل الوحيد لاستحقاق ذلك الإداري لبقائه في عمله أو سبب لإقالته والبحث عن بديل له.
ألا يتم تطبيق ذلك في جميع المناصب القيادية لدى كبريات الشركات في العالم مهما علا كعب شاغل ذلك المنصب، ألا يتم محاسبة ذلك المسؤول في كبرى الشركات على عدم قدرته تحقيق أحد بنود ما ورد في خطة عمله، ألم تتم مكافأة ذلك المسؤول لتجاوز نجاحاته جميع الحدود التي وضعها في خطة عمله وتم تحقيق أهدافه، لماذا إذن نستكبر الأمر عندما يكون ذلك مطلباً لكل مسؤول كان في المجال الخدمي سواءً كان قطاعاً خاصاً أو حكومياً.
إلى لقاء قادم