هناك مثل يقول (قيمة الإنسان ما يُحسنه) ويقصد به ما يُجيده الشخص من مهارات أو صناعات مادية أو علمية. وأعتقد أن هذا المثل يُفسر أموراً اقتصادية في غاية الأهمية، مثل القيمة الفعلية، وليست الإسمية، للعملة الوطنية، وتفاوت مستويات المعيشة بين الشعوب والأمم. فإذا استبعدنا العوامل الطبيعية مثل وجود النفط أو المعادن في أرض الدولة، فإن القيمة الحقيقية للعملة الوطنية لأي دولة هي في جوهرها قيمة ما يُحسنه أفرادها من مهارات وصناعات قابلة للبيع للآخرين، كالمنتجات الصناعية والزراعية، والخدمات التجارية والمالية والمهنية. هذا المبدأ البسيط في ظاهره يعد عميقاً في جوهرة، ويُعبر عنه في أدبيات التنمية بمصطلح بناء الإنسان؛ فالإنسان السويسري مثلاً يستطيع في المتوسط أن يُنتج في ساعة عمل واحدة من الصناعات والخدمات ما يتناسب مع درجة قوة الفرنك مُقارنة بالعملات الأخرى. وبالتالي يُفترض أن يكون الفرق بين القوة الشرائية للفرنك السويسري والبيزو المكسيكي مثلاً مُعادلاً الفرق بين القوة الإنتاجية لمتوسط ساعة العمل في تلك الدولتين (مع الأخذ بعين الاعتبار عوامل أخرى ذات علاقة أيضاً بهذا الجانب مثل درجة تطور البنية الأساسية والبيئة القانونية). ولما كان مُعدل صرف العُملات يخضع لعوامل سياسية وظروف اقتصادية تتحكم فيه بغض النظر عن درجة القوة الإنتاجية الحقيقية للدولة فقد طور الاقتصاديون معايير عديدة غير رسمية، تسعى إلى البحث عن السعر الحقيقي وليس المُصطنع للعملة، لعل أشهرها ما يُعرف بمؤشر بيقماك، الذي اعتمدته مجلة الإيكونومست البريطانية وأصبحت تنشره سنوياً منذ (25) سنة. يعتمد هذا المؤشر على سعة انتشار مطعم ماكدونالد حول العالم، وتقديمه وجبة ذات معايير متقاربة جداً في جميع فروعه هي فطيرة البيقماك الشهيرة، التي تتكون من قطعة من اللحم والخبز وشيئاً من خضروات طازجة، ويفترض المؤشر أنه بإضافة عُنصر العمل المتمثل في إعداد الفطيرة وبيعها، فإن سعرها في كل دولة مُقارنة بسعرها في أمريكا يعكس بصورة معقولة القوة الشرائية الحقيقية للعملة الوطنية مقارنة بالدولار الأمريكي. بُني آخر إصدار لهذا المؤشر على أساس أن سعر البيقماك في المملكة عشرة ريالات، أي حوالي (2.66) دولارا، في حين أن سعره في أمريكا (3.73) مما يعني أن الريال مُقيماً بأقل من قيمته الحقيقية أمام الدولار بنسبة 28%. وإذا أخذنا ذلك بعين الاعتبار، واستبعدنا مُساهمة النفط التي تُمثل حوالي تسعين بالمائة من الناتج المحلي، فإن القيمة الحقيقية للريال التي تتناسب مع درجة إنتاجية السعودي هي في حدود الخمسين ريالاً للدولار!.