حين أجد مناسبة للحديث فيها عن إدارة سلمان بن عبدالعزيز، أي عن شخصية الإداري فيه، لا أتردد أبداً عن الشهادة له، بأنه رجل الإدارة من الطراز الأول، بعيداً كل البُعد عن المجاملة، فهو لا يحبها، وأنا لا أزجيها، إذ لا أعهد أنني كتبت عن شخص ليس لدي قناعة في صدق ما أقوله.. فثماني سنوات وعشرة شهور اقتعدت فيها عميدة لمركز الدراسات في جامعة الملك سعود.. وخمس سنوات قبلها وكيلة للمقعد ذاته، عرفته فيها, الإداري اليقظ الذي تحركه مواقف: الأمانة، والرعاية، والقرار، والمسؤولية، في أصعب أوقاتها، ليكون الحاضر، النافذ، المشارك، المتفقد، ولم أكن أبالغ حين قلت ذات مشاركة, وأعيد، بأنه يستيقظ قبل المسؤولين، لأنه المسؤول الأول، فهو الأول، ويعود لبيته آخر من يعود منهم..
فهو مع الموقف صباحاً، كان أول من أتلقى متابعته, حين تحزم المواقف، قبل أن أصل إلى مكتبي، فيكون هو الأمير سلمان..
تلك الفترة، كانت حرجة اجتماعياً.. مما ألقى بظلال كثيفة على واقع العمل داخل الجامعة، تضافر مع ما في الجامعة تحديداً، من تغيير، إذ كانت فترة انتقالات نوعية في كثير من جوانب العمل القيادي للمرأة، وما كان يعتوره من الصراعات حول الصلاحيات، والتفويض، في ميزان كان من أول مسؤولياتي أن أعدل الكفة فيه، بين الحصول على مطلق الصلاحيات، وبين عدم المساس بحساسية المجتمع الجامعي، وقد تمكنت من ذلك ولله الحمد, وكان سلمان بن عبدالعزيز أول الشاهدين، وفي الوقت ذاته، هو أول المؤازرين، فجامعة الملك سعود جزء مهم في اهتماماته، وحرصه على موقعها, في المدينة الكبيرة التي أحالها بحكمته, ويقظته, إلى مدن، فتضافرت كل المشاريع فيها بأحلامه وأعماله.. لذا كل من يتحرك فيها لمرفق عمل، أو أداء دور، يثق تماماً بأن من سيتصدى لما يواجهه من «مواقف التشابك» على اختلافها، إنما هو سلمان بن عبدالعزيز, فهو الذي لديه مهارة الفصل، والرتق، والتخليص، بل الدفع بالجيد للبقاء والنماء، وتقليص الرديء بإلغائه أو تذويبه.. كان قريباً بإدارته الواعية من كل ذلك، وبأبوته الحاضنة لكل ذلك، وبدوره قبل كل شيء المتعدد الأدوار.. فالأمير سلمان حازم لا تلين قناته في الحق، صارم لا ينسل حد عن يقظته، مع رحمة شاسعة، كنت ألمسها حين مرض عضو في هيئة التدريس، أو العمل، فيبادر بأمر علاجها، أو موتٍ ينزل بواحدة منهن، فيأمر بدفنها حيث يريد أهلها, أو طالبة جار عليها أهله فمنعوها عن الدراسة، فعادت بتدخل أبوي من سلمان بن عبدالعزيز، المهاب الذي لا يَبعُد، والإداري الحكيم الذي لا يغيب...
بالأمس وفي حفل جريدة الرياض، استمعت لكلمته، بحضوره الذي له وشيج علاقة ثقة، بكل من يدب على أرض الرياض المدينة، جاءت كلماته للإعلاميين بكل ما يؤمن به، ويريد أن يتمثل به، في خلق كل إعلامي عن الحقيقة، إذ يقول دوماً: «عليكم بالحقيقة فتحروها».. وهي ذات الكلمات التي قالها لي، في مكالمة توجيه، حين عُينت مديرة لتحرير الصحيفة ذاتها.. وهي التي كانت نبراسه في كل موقف تعاملت فيه مع شخصه الإداري، حيث «الحقيقة» هي منطلق هذه الإدارة، وهي القاسم المشترك في قراراته..
فليت كل من يقتدي، يتحرى الحقيقة، ويتخذ منها عصاته التي يهش بها على نواياه، وأفعاله، وأقواله، لتأتي نتائج عمله ناصعة كما نقاء هذه الحقيقة..
ولأننا نتحدث عن شخصية الإداري النابه، الحكيم، المتحري للحقيقة، فإن الحقيقة، أنه سلمان بن عبدالعزيز, ذلك من باب التاريخ للحقيقة..
فعسى كل من أصغى لما قاله، يتخذ الحقيقة نبراسه، في كل ما يقول ويفعل...
فهي منهج رباني، باتباعها سلام الحياة، وسلامتها.. وسلامة الإنسان فيها.