التربية وسيلة فعالة لتخريج جيل صالح، وقادر على تحقيق نهضة حضارية على جميع المستويات، وإذا توفرت العناية اللازمة بتربية أبنائنا في المنزل وفي المدرسة، فإننا سنحصل على جيلٍ متسلحٍ بالعلم والإيمان والطموح، ويمتلك الرغبة والأهليَّة لخدمة دينه ووطنه.
والحوار أصبح من الوسائل الناجعة في حل المشكلات والتفاهم بين الأهل والأصدقاء وبين المختلفين في المذهب والفكر، كما أن التحاور فيما بيننا يجنبنا الكثير من المشاكل الاجتماعية، والأسرية، وغيرها؛ لأن الحوار يؤدي إلى تقارب وجهات النظر فيما بين المتحاورين، وأصبح الحوار من الفرضيات الأساسية التي يحتاجها المجتمع بكامل أطيافه المتنوعة لتطبيقه وممارسته على أرض الواقع.
ومع تنوع الحوار وأهميته فنجد ثمة حاجة ملحَّة لتفعيل مبدأ الحوار المدرسي لأنَّ أبناءنا بحاجة ماسة لفهم الحوار وآدابه، لكي يتمثَّلوه تلقائياً في حياتهم، ويجعلوه نهجا لهم. وعندما يتعود أبناؤنا ممارسة الحوار في المدرسة والمنزل، فإن النتيجة ستكون تخريج جيل ينعم بسعة الأفق وتقبل الآخر.
وبما أن المدرسة هي البيت الثاني لأبنائنا وبناتنا حيث يقضون فيها معظم أوقاتهم، فيقع عليها مسؤولية كبيرة في تربية أبنائنا على الحوار وأخلاقياته المؤدي إلى الوسطية والاعتدال بعيداً عن التطرف والغلو، وبما أن أبناءنا أمانة في أيدي منسوبي المدرسة فحري بهم أن يتخلقوا بأخلاق النبوة في الحوار، وأن يتأسوا بها ليغرسوها في فلذات أكبادنا.
وإذا أردنا تفعيل الحوار داخل المدرسة فلابد من قبول فكرة الحوار منهجاً وأسلوباً لجميع العاملين داخل المدرسة، حتى تكون البيئة المدرسية بيئة حوارية وفاعلة لها عظيم الأثر في نفوس أبنائنا وبناتنا.
وقد يكون هناك حلقة مفقودة داخل بعض مدارسنا في تقبل الحوار ونشره بين الطلاب والطالبات، فنجد بعض مديري المدارس أو المعلمين والمشرفين لا يحبذون فكرة الحوار، وذلك لأسباب مختلفة لكل منهم، فلو تم تحديد مكامن هذا الخلل ومعالجتها، فقد يصبح الجميع مقتنعين بأثر الحوار وأهميته، ومن هنا تكتمل المنظومة التعليمية داخل المدرسة بقبول فكرة الحوار، ومن ثم تهيئ لنا جيلاً حوارياً جديداً يتقبل الآراء بنظرة من الوسطية والاعتدال بعيداً عن الإقصاء والتطرف.
والنشء عادة يتقبل الأفكار بمفهومها الذي تحمله من إيجابيات أو سلبيات، لذا فإن العملية الحوارية متى ما تم تطبيقها تطبيقا ناجحاً عن طريق مبادرة منسوبي المدرسة ابتداءً بممارسة الحوار بينهم أولاً، ومن ثم مع النشء في المدرسة فإننا سوف ننجح في عملية إيصال ما نريد من أفكار بناءة لعقول أبنائنا وبناتنا، وهذه الطريقة تجنبنا فرض الحوار عن طريق مادة رئيسة تُدرس في زمن محدد وتنتهي من حيث ابتدأت، حيث لابد من التركيز على التدريب والتطبيق والممارسة أكثر من التركيز على التعليم في هذا المجال.
وفي هذا السياق يقول ابن خلدون في مقدمته: (وأيسر طرق هذه الملكة فتق اللسان بالمحاورة والمناظرة في المسائل العلمية فهو الذي يقرِّبُ شأنها ويحصِّل مرامها، فتجد طالب العلم منهم بعد ذهاب الكثير من أعمارهم في ملازمة المجالس العلمية سكوتاً لا ينطقون ولا يفاوضون، وعنايتهم بالحفظ أكثر من الحاجة، فلا يحصلون على طائل من ملكة التصرف في العلم والتعليم. ثم بعد تحصيل من يرى منهم أنه قد حصَّل تجد ملكته قاصرة قي علمه إن فاوض أو ناظر أو علَّم).
وحري بوزارة التربية والتعليم أن تحث جميع مدارسها في استغلال النشاط اللاصفي، والحصص اللاصفية في نشاطات حوارية بين الطلاب، وذلك من خلال تفعيل دور الإذاعة المدرسية، وذلك بتعيين لجنة طلابية تحت إشراف أحد الأساتذة أو المرشد الطلابي تدير هذه الإذاعة عبر برامج ونشاطات حوارية متنوعة، ولابد أيضاً من استغلال المسرح المدرسي وإعادة وهجه القديم، حيث يُعد المسرح من أنجح الوسائل التطبيقية في إبراز المهارات الحوارية لأبنائنا وبناتنا، ويستطيعون من خلاله إظهار قدراتهم ومهاراتهم الحوارية مثل فن الإلقاء والخاطبة والتحدث بطلاقة دون خوف أو خجل.
كما أن للمسابقات الثقافية، سواء بين الفصول الدراسية أو على مستوى المدارس، دوراً كبيراً في ترسيخ الحوار في عقول أبنائنا، وكذلك فإنَّ للمكتبات المدرسية دوراً كبيراً أيضاً في تنمية مدارك الطلاب من خلال الكتب الموجودة بها ذات الصلة بالحوار وأهميته.
وحري بإدارات التعليم بالمناطق أن تختار جملا حوارية هادفة تعلقها داخل المدرسة يقرؤها الطلاب والطالبات، حتى يتمكن أبناؤنا من حفظ مثل هذه الكلمات، ويتعودون ترديدها في كل وقت. وحبذا لو حُدد لكل مدرسة يومٌ من كل شهر لعقد جلسات حوارية بين الطلاب والمدرسين لمناقشة أمور المدرسة وأنشطتها، أو تفعيل الأنشطة الحوارية بين المدارس يتم التحضير لها من قبل إدارات التعليم، أو يكون هناك يوماً مفتوحاً بين بعض الآباء والطلاب للتحاور داخل المدرسة، فهذه النشاطات الحوارية إذا فُعِّلَت داخل المدرسة فإن العملية الحوارية ستصبح مقبولة وممارسة لدى الجميع.
أما بالنسبة للكوادر التعليمية التي بداخل المدرسة، فلابد من تطوير قدراتهم، وتأهيلهم على مهارات الحوار والإنصات عبر البرامج والدورات التدريبية في مهارات الاتصال بالحوار، وتكليفهم بحضور الندوات الحوارية، والمحاضرات التثقيفية، حتى يصبح هؤلاء المربون التربويون يتقبلون ويحترمون فكرة الحوار، ويسعون لترسيخها بين فئات المجتمع.
وإذا تم توفير تلك البرامج الحوارية في المدارس سوف نكسب جيلاً متعلماً وممارساً ومتقبلاً لثقافة الحوار.