في رواية «روبرت ستيفنسون» الذائعة الصيت «الدكتور جيكل والمستر هايد» تصوير سيكولوجي دقيق للتناقض الذي يمكن أن يتلبس أياً منا في لحظة ما من حياته، ففي كل إنسان كما يقول ميل إلى الشر والطغيان.. فقد يتحول الرجل العالم الطيب الذي يؤمن بالقيم والمثل العليا إلى وحش حقيقي «تركبه» آلاف الشياطين، وتتقمصه آلاف الأرواح الشريرة.
لن أناقش الرواية التي صدرت طبعتها المعرّبة الأولى قبل أكثر من عشرين عاماً، وترجمها إلى العربية «أميل بيدس»، ولكنني هنا أود أن أبحر بعيداً عن فحوى الإنسان بين الخير والشر.. بين ما هو كائن وبين ما سيكون.. بين هذه الروح المجرمة التي تتلبسها، وتصنع منا بشراً غير أسوياء ملطخين بالآثام، والنزوات الطفولية.
هذا التناقض المرضي العجيب هو ما نشكو منه.
خذ هذه الشريحة التي أنتمي إليها. تقرأ لكاتب ما.. فيأسرك منطقه، وتحتسيك وقتها عشرات الأسئلة عن هذا المنظّر الهمام، الذي يتحول إلى ملاك ورقي، تحسن الظن به، وتظنه نقياً، ملهماً.. خالياً من العيوب -أستغفر الله- ولكن، ما أن تجالسه أو تجلس معه -لا فرق- حتى تكتشف كم كنت واهماً، وطيباً.. خاصة حين تسقط ورقة (التوت) التي تواري سوأته!
مشكلة فعلا.. حينما تساهم في زواج «الثلج الأبيض بالجذام الأزرق» مع الاعتذار للرواية المعروفة، مشكلة حينما يتقمص المرء منا دوراً غير دوره.. وحين تلبسنا هذه «الشيزنوفيا» القميئة فتدمرنا، وتقتل فينا إنسانيتنا وبراءتنا.
«دكتور جيكل ومستر هايد» نموذجان إنسانيان يعبر كل منهما بطريقته عما يكتنف النفس البشرية من ضعف وتضاد.
هذا التناقض العجيب الذي صورته الرواية الرائعة لشخصين متباينين، يمكن أن تتلبس أياً منا في لحظة مأزومة.. فيتحدث اللص عن الأمانة، والخونة عن محبة الأوطان، ويتحدث الرجل النهم لجمع الأموال عن القناعة و»أنها كنز لا يفنى».
الإنسان منا على ضعفه «وقلة حيلته» يكتنز في داخله عالما غريبا من المتناقضات، وتمور في أعماقه عوالم سحيقة من السحق والإقصاء، ومنها يتحول هذا الكائن اللطيف الذي أحسن الله خلقه إلى كائن جبار مخاتل لا يتورع في زرع قنابل الشقاء للآخرين، بل وأكثر قد يتحول الإنسان منا إلى حيوان كاسر تطربه أنات المظلومين، وزفرات المقهورين، وعويل الضحايا الأبرياء.
قُتِلَ الإنسان ما أظلمه!!