الاحتفال باللغة العربية في يومها العالمي الذي مر بنا قبل أيام يسهم بشكل كبير في العناية بلغتنا الجميلة خاصة وأن لغتنا العظيمة، لغة القرآن الكريم، ولغة الرسالة المحمدية، تحتاج لكل هذا الاهتمام.
لكن دعنا عزيزي القارئ نتوقف عند أمر في غاية الأهمية يرتبط كلياً بتطور اللغة العربية، بحكم أن اللغة عرفت بكونها -كائن حي- قابل للتجدد، والنمو، والتطور، إذن هي لغة ليست جامدة، وما يدل على ذلك هذا التحول الذي حصل للغتنا الجميلة منذ قصائد الشعر الجاهلي لدى شعراء أمثال امرؤ القيس الذي عرف كأول شاعر عربي وصل إلينا أول قصيدة عربية مكتملة له، ومن هم في نفس النسق من أصحاب المعلقات الشهيرة في الجاهلية، عندما نتأمل هذه القصائد نجد أنها تقدم لنا لغة أكثر غرابة من لغة قريش التي نزل بها القرآن الكريم، ولهذا عدت لغة القرآن الكريم لغة متطورة إعجازية، تحدى الله بها العرب أجمع أن يأتوا بسورة من مثله، وإعجاز القرآن البلاغي هو أمر في غاية الأهمية الذي تحدث عنه كثير من الباحثين، ويحتاج إلى المزيد من البحث، بخاصة ما يملكه القرآن من عمق لغوي.
هذا شأن، أما الشأن الآخر فإننا بحاجة ماسة لأن نربط بين اللغة المحكية المتداولة بين أبناء المجتمع وبين اللغة العربية، وتقريب مفردات اللغة من اللغة المحكية، خاصة إذا ما عرفنا أن هناك عدد من أبناء القبائل في المملكة يتحدثون لغة قريبة جداً من لغة المعاجم اللغوية، ولهذا كان من المهم جداً أن نزاوج بين كل ذلك من خلال اللغة الوسيطة التي نلمس وجودها الآن في اللغة الصحفية على سبيل المثال والتي لا تبتعد كثيراً عن لغتنا العربية لكنها في ذات الوقت تقترب من اللهجة العامية.
هناك من يطرح أهمية إبقاء المقررات القديمة في المراحل الدراسية في تدريس اللغة العربية، خاصة إذا ما عرفنا أن هناك على سبيل المثال مدارس مثل المعاهد العلمية أو مدارس دار التوحيد التي ظلت إلى الآن تدرس ألفية بن مالك في قواعد اللغة العربية، ويفرض في الغالب على طلاب المرحلة المتوسطة والثانوية في هذه المدارس أن يقوموا بحفظ أبيات الألفية التي لا يتمكن أي شخص عادي من قراءة أبياتها ما لم يقم بدراستها في تلك المراحل الدراسية أو في المرحلة الجامعية حتى لو كان حاصلاً على درجة البكالوريس، فهي تعتمد بالدرجة الأولى على التعلم عن طريق التلقين، هذا ما يخص قراءة أبيات الألفية، ما بالنا لو تحدثنا عن شرح أبياتها فهو موضوع آخر يحتاج إلى وقت وجهد كبير، الأمر الذي تسبب في هروب كثير من الطلاب في تلك المراحل، وفي هذه المدارس المتخصصة في اللغة العربية والعلم الشرعي من الاستمرار في الدراسة، مع ملاحظة أننا لا نختلف على الإطلاق مع فكرة تدريس مثل هذه المقررات في المرحلة الجامعية للمتخصصين فقط، لأن الدراسة والتعليم من وجهة نظري لا يجب أن يكون بهذا التعقيد في مراحل مثل المتوسطة والثانوية تحديداً، هناك على سبيل المثال كتب سهلة يمكن أن تقرر، مثل كتاب تطبيقات نحوية، وتطبيقات صرفية وغيرها من الكتب التي سهلت المهمة كثيراً واعتمدت على التطبيق في فهم قواعد اللغة العربية، لماذا نظل نفرض على الطلاب كتباً ألفت قبل مئات السنين وليس لهم أي صلة أو رابط يربطهم بواقع وظروف الحياة التي عاش بها مؤلفي هذه الكتب، لماذا لا تكون الأمثلة التي تضرب في مادة النحو أو اللغة العربية أمثلة من حياة الطالب اليومية التي يعيش، أسئلة كثيرة كنا نطرحها ونحن طلاب في المرحلة الجامعة، خاصة وأننا خريجو المعاهد العلمية واجهنا مثل هذا الأمر في دراسة اللغة العربية فكانت الإجابات تؤكد لك أن هذا هو العلم الأصيل، العلم الذي يجب أن يؤخذ على أصوله، ومن جذوره، لا أعتقد أن هذه النظرة وإن كنت أحترمها يمكن أن تكون صحيحة، أرى أنه من المهم جداً ربط الطالب، والدارس بالواقع الذي يعيش، الأمر سيصبح أكثر سهولة ويسراً.
دعوني أسوق لكم بيتاً من ألفية بن مالك -لعل أحداً ممن لم يدرسوه- يستطيع فك طلاسمه:
بتا فعلت وأتت ويا أفعلي
ونون أقبلن فعل ينجلي