الأعمال الكبيرة تحتاج إلى همم عالية، تدرك أن الكثيرة لا تعني شيئاً أمام الجودة والإتقان، فعمل متميز واحد أفضل من أعمال كثيرة ضعيفة لأنها لا تضيف شيئاً، والعمل المتميز الذي أقصده في هذا المقال مجلة ناشيونال جيوغرفيك العربية التي تصدرها شركة أبوظبي للإعلام وهي الإصدار العربي للمجلة العريقة National Geographic Megazine التي تصدر منذ عقود عن الجمعية الجغرافية الوطنية في الولايات المتحدة، وكان القارئ العربي غير الملم بالإنجليزية يتحسر عندما يقلّب صفحاتها مكتفياً بتأمل صورها الأخاذة وإخراجها الجميل، ولكن مع صدور العدد الأول للنسخة العربية في أواخر 2010م أصبحت متاحة له يقرأها ويستمتع بما ينشر فيها من موضوعات عن الطبيعة والمدن والتاريخ والظواهر الكونية، وقد كسبت أبوظبي بإصدار هذه المجلة بالعربية سبقاً ثقافياً وإعلامياً، وفتحت بها نافذة على الثقافة الجادة، مدللة على أن ما ينتج عن التخطيط السليم من إبداع يجذب شريحة متعطشة إلى المعرفة المفيدة ويبقى أثره على مدى طويل.
ومن متابعة العدد الثاني الذي صدر في نوفمبر 2010م نلاحظ أن المجلة تتنقّل بنا في موضوعات حيوية قصيرة مصورة تبدأ بها، ثم مجموعة من الاستطلاعات التي يتداخل فيها الحاضر مع الماضي، فموضوع (جنوب السودان السلام المرتعش) يسرد قصة جنوب السودان الذي يعد من أهم المشاكل الراهنة، وفي موضوع ثانٍ نقرأ استطلاعاً عن الحيوانات في جنوب السودان تحت عنوان (قطعان جنوب السودان التائهة)، وفي موضوع آخر نقرأ عن ثلاثة عوالم بيئية لبحار اليابان، وعقبه نجد دراسة تاريخية عن حضارة الأزيتك في المكسيك.
وقد أثري كل موضوع بصور احترافية أخاذة تدعم الكلمة المكتوبة وتعمق فهمها، وهي الميزة الكبرى لهذه المجلة العريقة، ومع العدد هناك خريطة تفصيلية عن هجرات الحيوانات في قارات العالم وبحاره، وقرص مدمج يحتوي على فيلم بعنوان (رحلة صيد المخلوقات الفضائية).
إن هذه المجلة الرصينة في نسختها العربية ستكون عاملاً في نشر الثقافة الجادة في مقابل الثقافة الهابطة التي تقدمها المجلات العربية التي لا تقدم ما يفيد الإنسان.
تأتي هذه المجلة لتكون امتداداً لقناة الناشيونال جيوغرافيك العربية التي تبث من أبوظبي، وهي تعريب للقناة الأمريكية الشهيرة التي تقدم لنا عالماً من المعرفة الراقية والتي تدهشنا موضوعاتها عن أمور كثيرة ذات علاقة بالبيئة والجغرافيا والتاريخ.
إنه الإبداع الناتج عن التخطيط والإرادة الصادقة والسخاء في الإنفاق وهو ما تقدمه أبوظبي اليوم من خلال القناة والمجلة.