تعيش بريطانيا وألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة وبشكل عام العالم الصناعي أزمة بطالة حادة تتفاقم وتزداد خطورة يوماً بعد يوم وقد وصل عدد العاطلين في بريطانيا والولايات المتحدة إلى معدلات قياسية، وكانت البطالة إحدى أهم الشعارات التي رفعها الرئيس أوباما في حملته الانتخابية وصوت لها جيش العاطلين عن العمل، أما فرنسا فقد تأثرت نتيجتها كثيراً باتجاهات العاطلين عن العمل، وألمانيا تتحدث عن بطالة خطيرة، وإيطاليا ليست أحسن حالاً من غيرها.
وهذه الدول تدفع العاطلين (تعويض بطالة) فتعطيهم ما يسد رمقهم من ثمن مأكولات ودفع إيجارات البيوت التي يسكوننها لا أقل ولا أكثر، وتعويض البطالة لن يحل مشكلة فعدا عن كونه لا يفي بتأمين احتياجات الإنسان الأخرى فهو مخالف للدين كما يقول الأوربيون والأمريكيون في الآونة الأخيرة.
وينطلق الذين يتبنون هذا الرأي من وضع تاريخي معين فمنذ مئتي سنة وأكثر أي حين بدأت الثورة الصناعية، لجأت الحكومات الأوروبية ورجال الصناعة إلى الكنيسة لتحريض الناس على العمل، وفعلا صارت الكنيسة تبشر بالعمل الصناعي وأوصلته إلى مرحلة التقديس وقالت تخاطب العاطلين (إذا كنت مسيحياً مؤمناً فيجب أن تذهب إلى المصنع وأن تعمل وتشارك في بناء الوطن ومن لا يعمل لا يعتبر مسيحياً صالحاً).
وأثمر تعاون رأس المال مع الكنيسة وأخذ المواطنون يعملون من الساعة الثامنة صباحاً حتى السادسة مساءً ومن يمكث في المصنع وقتاً أكثر فإيمانه أقوى وأرسخ واستطاعت الدولة أن تحكم الصناعة عن طريق الكنيسة، واعتقد الناس أن دخل العمل البسيط سيعوض بالدخول إلى الجنة، وهكذا تغيرت مفاهيم اجتماعية كثيرة واستجد من القيم الشيء الكثير ولم يدم هذا التوجه كثيراً في عهد الثورة الصناعية الثانية وهي ثورة الكمبيوتر، والآلات التكنولوجية الجديدة التي زادت الإنتاج كثيراً، وفي نفس الوقت زادت البطالة، وكل ما زاد اعتماد العالم الصناعي على الكمبيوتر والتكنولوجيا كلما زاد عدد العاطلين.
في البلاد الإسلامية حض الدين على العمل قال تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} وقال علي كرم الله وجهه (اعمل لآخرتك كأنك تموت غداً واعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً) إن الدين الإسلامي يحض على العمل ويعتبره جزءاً من العبادة.
وعندما جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله من الصدقة قال له النبي صلى الله عليه وسلم (أما في بيتك شيء؟) فقال بلى يا رسول الله فهناك فراش أفترشه وقعب إيناء أشرب منه قال (بعها واحتطب) أو كما قال، وذهب الرجل واحتطب وباع واشترى وجاء إلى النبي وحالته أحسن.
ولكن المشكلة هي التشبث بالموروثات الاجتماعية والقبلية ونظرة الناس الدونية للأعمال الميدانية التي ترفضها القبيلة والمجتمع وتعتبرها عيباً بينما هي في الحقيقة أعمال شريفة، والدولة ليست ملزمة بتأمين ماصة هلالية وكرسي دوار لكل عاطل.
إن جيش الوافدين الذين يعملون في الأعمال (الميدانية) سباكة، كهرباء، حلاقة، حدادة، العمل في المصانع، سائق والأعمال المتعلقة بالبنية التحتية هم من الأجانب، فلو شمر المواطن عن ساعديه وانخرط بالأعمال التي تقوم بها العمالة الوافدة لكان بوسعنا القول بأن السعودة أتت ثمارها وأصبح الدخل للوافدين الذي يقدر بمليارات الريالات يبقى لدعم الاقتصاد الوطني ورفع درجة المستوى المعيشي.
لقد انتشر في الآونة الأخيرة السطو على المنازل وسرقة السيارات من قبل المواطن السعودي الذي لا يجد ما يسد به رمقه وبهذه المناسبة نشد على يده ونقول له اعمل بدل الوافد فستجني دخلاً مناسباً واقلع عن السرقة لأنها ضرب من ضروب الجريمة التي تستحق العقاب فضلا عن أن الدين يرفضها بشدة ويعاقب عليها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها).
الرياض