دأبت كثير من العوائل والأسر على تكريم المتفوقين، والمتميزين، والنابهين من أبنائها.. وهذه سنة حسنة تشجّع الجبان، وتوقظ الوسنان، وتعلم البليد، وتُذكي روح التنافس، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، حقاً إنه تنافس شريف، وموقف لطيف.. ومما لا شك فيه أن هذا الإجراء هو تفعيل صريح لمبدأ (الثواب والعقاب) الذي يحرك كل متنافسين.. ولا أدل على ذلك من كون الدستور العظيم (القرآن الكريم) كله تفعيل لمبدأ الثواب والعقاب (الوعد والوعيد) والعرب من أشد الأمم حباً للفخر والتفاخر والسباق والتنافس!! حتى قال شاعرهم العملاق:
ونحن أناس لا توسط عندنا
لنا الصدر دون العالمين أو القبر
وقال الآخر:
ألسنا خير من ركب المطايا
وأندى العالمين بطون راح
أما مصيبة الشعراء، وداهيتهم فيقول في معرض فخره:
أي محل أرتقي؟ أي عظيم أتقي؟
وكل ما خلق الله وما لم يخلق
محتقر في همتي كشعرة في مفرقي
وإن كان في هذه الكلمات مأخذ عقدي، وقدح في جناب التوحيد لكن كما قال العلماء: ناقل الكفر ليس بكافر، ومهما يكن من شيء، فلا فض فوك أيها المتنبي يا شامة الزمان، وفخر العرب والأنام.
والعرب تقول في أمثالها (مِتّة قلْبه ولا غلبه).. وتقول (الغليبه شينه ولو بلعب الكعاب)!! والذي ألاحظه على هذه التكريمات بين الأسر هو اقتصار أغلبها على الطلبة فقط (ابتدائي - متوسط - ثانوي - جامعي - وهكذا..) (إلا ما قل).
وأرى والرأي الأتم لسعادة القراء الكرام أن التكريم والتشريف، والجوائز والحوافز ينبغي أن تكون لكل من (يشرف عائلته، أو يرفع رأسها، أو يرفع اسمها..) في أي محفل أو منحى من مناحي الحياة!! سواء في العلم الشرعي، أو الطبي، أو العسكري، أو الكرم والشهامة والأخلاق، أو الإعلامي، أو... لأن من حقق لعائلته شرفاً أو عزاً فهو إنما حصل عليه بجده واجتهاده، وعرق جبينه وكده ومكابدته كما قال عملاق الشعراء:
لولا المشقة ساد الناس كلهم
الجود يُفقر، والإقدام قتال
فالشجاع لا بد أنه لاقى صليل السيوف، وتخضبت يداه بالدماء.. والكريم لا بد أنه بات طاوياً من الجوع لأجل أضيافه، فكبده حَرى من العطش، وبطنه غرت من الجوع.. كما قال الكريم الحكيم:
أوزع جسمي في جسوم كثيرة
وأحسو قراح الماء والماء بارد
ثم لتنظر بعين الإنصاف فما مقدار ما تعبه هذا الكريم، أو الشهم، أو الشجاع الذي شرّف عائلته، أمام تعب ونصب هذا الشاب الذي يتكئ على طاولته في المدرسة؟!! ثم ماذا تستفيد عائلة (ما) من ابن من أبنائها حصل على تقدير (ممتاز) في كذا وكذا وهو (كل على مولاه أينما يوجهونه لا يأت بخير!؟!).
أنا أرى أن تكريم الإعلام البارزين في الأسر أولى وأهم وأجدر وأعظم بكثير من حصرها على الطلبة الصغار.. ولا بأس بإدخال الطلبة في ذلك لكن ليسوا هم الأصل!! وعلى أن يكون ذلك تحت إشراف لجنة من العائلة نفسها.. تختار من ترى أنه شرّف العائلة ورفع رأسها، وقاد وجهها في أي مجال حتى لا يبقى مجال لبنيات النفوس.
- محافظة رياض الخبراءAli5001@hotmail.com