كنت ذات يوم أصلح جهازي المحمول في عليا الرياض، وكان من يتحدث معي باكستاني الجنسية، كشف على الجهاز ثم أخبرني أنه يحتاج إلى يومين ويكلف 200 ريال، قلت له على عادتنا المعروفة في مثل هذه المواقف، لا يكفيك 180 ريالا، وبكرا الصباح آتي لأخذه منك، فأنا مسافر غدا إلى حائل، كان يجلس في الطرف الآخر من المحل شاب سعودي ربما لم يتجاوز عمره الثلاثين عاما، نهض من مكانه لما سمع كلامي مع الفني، وسلم علي بحرارة قائلاً للعامل، استعجل صلح الجهاز، هذا من بلد حاتم، سرعان ما علّق هذا الأجنبي وبلغة مكسرة، أنا أعرف حاتم كويس، هو رجل كريم كثير، وعشان أنت قريب حاتم أنا أصلح بعد شوي، خلاص180 ريال كافي!!. استريح أنت هنا. وبالفعل أخذت جهازي معي بعد نصف ساعة فقط، فشكرت هذا العامل على كرمه وثمنت للشاب السعودي نخوته، وخرجت من المحل وأنا أقول لنفسي «كم أنت كريم يا حاتم، خدمتني وأنت تحت الثرى»، وعند من.. عند رجل أعجمي لا يعرف عن حاتم إلا أنه رجل كريم.
الشاهد هنا أن هذا العامل الأعجمي البسيط لم يتبادر إلى ذهنه لما قال هذا من بلد حاتم، إلا حاتم الطائي مع أنه ربما لم يعرف أنه من طي «القبيلة»، وقد تكون المرة الأولى التي تسمع أذناه اسم حائل. المكان «، هذا أولاً، وثانياً سيرة حاتم تدرس في جميع بلاد العالم غالباً، وبلغات مختلفة وقد لا يهتم الكاتب لقصة هذا الرمز بنسبه ومن أي القبائل هو، ولكنه يكتفي أنه رجل كريم اسمه حاتم، وهو جزماً حاتم الطائي لارتباط سيرة الكرم بقصة هذا الرمز الذي لا ينمحي.
أما ثالثاً فقد لفت انتباهي أن هناك مطعما إيرانيا مشهورا في دبي اسمه حاتم وله فروع في عدد من دول العالم والمركز الرئيس في أصفهان، وحاتم هنا حاتم الطائي «رمز الكرم» كما قيل لي هناك.
ورابعاً تقول العرب «أجود من حاتم»، ولا يتبادر إلى الذهن إلا حاتم الطائي ، أما خامساً فكتاب التاريخ يدونون في صفحات مخطوطاتهم (ومر حاتم.. وقال حاتم.. وذبح حاتم فرسه) و ليس لدى القارئ أدنى شك أنه الطائي المعروف. ونحن في هذا الزمن نسمي حاتم كثيراً خاصة في حائل ولو سألت أي حاتمي لماذا سميت بهذا الاسم لقال على الجاهلي المعروف. ولذا لا أعتقد أننا بحاجة إلى كل هذا الضجيج من أجل إضافة «الطائي» على اسم مدرسة حاتم أو الاكتفاء باسم «حاتم» وسوء ختم بهذا الاسم أو ذاك فسيان من الناحية التعريفية لا الإدارية أو النظامية، فالمعروف عند أهل اللغة لا يعرف، ومن باب الشيء بالشيء يذكر هناك من الملوك والأمراء والشعراء والأبطال وأصحاب المآثر والأفعال يعرفون بكناهم وألقابهم وعوائلهم وقبائلهم فيكتفى بما عرفوا به حين التسمية، ومثال ذلك (مدرسة المتنبي، وصقر قريش، والغافقي، والإدريسي، وقد يختصر الاسم تسهيلاً فيقال الفيصلية، وحي العزيزة والخالدية و...)، ولذا لا يمكن لأحد مهما كان الاتهام الصريح والواضح لأسرة التعليم بالتنطع والتشدد، والدخول في النوايا، وادعاء أن نزع الطائي من اسم المدرسة-على افتراض أن هذا حدث بالفعل- جاء من باب الاختراق الفكري في مدارسنا الحائلية، قد يقال هذا الكلام لو كان الرفض والجدل حول تسمية المدرسة باسم «حاتم» أما غير ذلك فلا.
لقد ضخم إعلاميا بشكل مهول وجعل منه مادة دسمة في عدد من الصحف وبمشاركة عدد من الكتاب فهل يمكن ذلك أن يكون هو الخيط الذي سيوصلك إلى مكمن الداء في جسد وطننا المعطاء، وهل انتهت خيوط التنطع والإرهاب أسودها ورماديها وضبابيها وعرفت كلها ولم يبق إلا ما هو في حائل؟ إن التنطع والانغلاق ليست من سجايانا نحن أهالي المنطقة.
فأما الشريحة العريضة في هذا القطاع بالذات هم أحفاد حاتم أهل الجود والكرم، يعرفون من هو حاتم جيداً ليس بأقوالهم بل بأفعالهم وطبائعهم التي يشهد لهم فيها القاصي والداني، عرفوا بالانفتاح مع الآخر وليس من طبائعهم الانغلاق والتقوقع ولا حتى الانفلات الذي لا ضبط معه، فتحوا قلوبهم قبل بيوتهم لكل زائر ومسافر.