لا تزال عبارات الأسف، تتصدر البيانات الختامية لقمم دول مجلس التعاون الخليجي، حول أحقية الإمارات في الجزر الثلاث؛ لعدم إحراز الاتصالات مع إيران أي نتائج إيجابية، من شأنها التوصل إلى حل قضية الجزر الثلاث بالدبلوماسية، والطرق السلمية.
بل إن إيران ترفض مناقشة إنهاء الاحتلال العسكري لتلك الجزر، مما يؤكد على: عدم وجود تقدم في ملف المفاوضات بين إيران ودول الخليج العربي. حيث قال - الناطق - باسم وزارة الخارجية الإيرانية «رامين مهما نبر ست» - قبل أيام -، في معرض رده على البيان، الذي أصدره رئيس دولة الإمارات الشيخ خليفة بين زايد، عن الجزر الثلاث المتنازع عليها مع إيران: «إن الجزر الثلاث، هي إيرانية، وستظل كذلك إلى الأبد».
وأضاف: «إن صدور مثل هذه البيانات، لن يترتب عليه أي أثر، بما يتعلق بحاكمية الجمهورية الإسلامية على الجزر، وأن تكرار ما اسماه مثل تلك الادعاءات غير المنطقية، لن يساعد على استتباب الأمن، والاستقرار في المنطقة».
من نافلة القول: التأكيد على أن تلك الجزر العربية الإماراتية، - طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى -، تشكل أهمية إستراتيجية، وذلك من خلال: الممرات المائية، كما أنها أصبحت محط أنظار الدول الكبرى في العالم، بعد الحرب العالمية الثانية، واكتشاف البترول فيها؛ لحاجة تلك الدول إلى فرض سيطرتها على كل مصادر الطاقة.
إن استمرار احتلال الجزر الإماراتية الثلاث، يعتبر من أهم البؤر التي تؤجج التوتر في المنطقة، بين فترة وأخرى.
وهي - بلا شك - إحدى العقبات الرئيسة في تحسن وتطور العلاقات الخليجية الإيرانية، من جهة. ومن جهة أخرى، العلاقات العربية والإيرانية، باعتبار أن إيران قوة لا يستهان بها في المنطقة.
ومنذ احتلال إيران للجزر الثلاث، فقد لجأت - مع الأسف - إلى تغيير المعالم الديموغرافية لهذه الجزر؛ من أجل فرض سياسة الأمر الواقع، وذلك عن طريق توطين أعداد كبيرة من المواطنين الإيرانيين.
- ولذا - لا غرابة، أن تعلن وسائل الإعلام الإيرانية - قبل أيام -: أن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجادي، سيقوم بزيارة الجزر الإماراتية الثلاث؛ من أجل أن يتفقد أحوال أهالي تلك الجزر.
- وخاصة - أهالي جزيرة «أبو موسى»، إمعاناً في تكريس احتلال إيران لتلك الجزر.
المثير للعجب، هو أن الوثائق، والحقائق التاريخية، والخرائط الجغرافية، والجانب القانوني، - كلها - تؤكد على: أن السيادة الفعلية على الجزر الثلاث، منذ أقدم العصور ولا تزال، ترجع إلى دولة الإمارات، - إمارتي - الشارقة، ورأس الخيمة.
ذلك أن الاستيلاء، ويقصد به - قانوناً -: «إدخال دولة من الدول في حيازتها المادية إقليماً غير مملوك، لدولة ما؛ من أجل بسط سيادتها عليه».
وهذا هو السبيل الذي حصلت به - إمارتا - الشارقة، ورأس الخيمة على الجزر الثلاث، منذ العام «1750م»، وحتى العام «1971م»، من دون معارضة فعلية من السلطات الإيرانية.
وقد تعددت مظاهر تلك السيادة، التي مارستها الإمارتان على الجزر الثلاث، خلال هذه الحقبة الطويلة من الزمن، مثل: رفع علم الإمارات على الجزر الثلاث، وإدارة المرافق العامة، واستيفاء الرسوم الجمركية، وغيرها. إضافة إلى منح الامتيازات، واستغلال الموارد الطبيعية.
في كتابه «خفايا علاقات إيران وإسرائيل وأثرها في احتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث»، يوضح الدكتور جاسم إبراهيم الحياتي: أن الاحتلال الإيراني للجزر العربية الثلاث، جاء تحت ذرائع ومبررات نظرية واهية، لا تملك مقومات الصمود أمام الحقائق التاريخية والقانونية، التي تؤكد - كلها - أحقية دولة الإمارات العربية المتحدة في هذه الجزر.
وتزامن الاحتلال الإيراني للجزر العربية الثلاث، مع انسحاب بريطانيا من منطقة الخليج العربي وشرقي السويس، مما يؤكد حقيقة الترابط، بين ضمان المصالح الغربية في المنطقة، من جهة. وتوكيل إيران بالدور الذي كانت تقوم به بريطانيا قبل انسحابها، من جهة ثانية.
فأضحت إيران الشاه، هي المكلفة بأداء الدور الإقليمي لدولة كبرى، تراجعت في ظل متغيرات عديدة إلى دولة ثانية، فاستلزم ذلك تغيير الإستراتيجية الغربية، وتكليف إيران بمهمة الدولة الحامية للمصالح الغربية، وضمان تدفق النفط إلى الدول الأوروبية، وكان ذلك منسجماً مع طبيعة الأهداف الأمريكية بالدرجة الأولى.
ولقد أسهمت إسرائيل ومعها الدول الكبرى الأخرى، مثل: الولايات المتحدة، وبريطانيا - تحديداً -، في دفع إيران؛ لاحتلال الجزر العربية الثلاث، كجزء من مخطط واسع، استهدف شغل العرب بصراع جانبي، لكي لا يتفرغوا؛ لصراعهم الأساسي في فلسطين، من جهة. - فضلاً - عن إضعاف إمكاناتهم وتشتيتها، بدلاً من توحدهم في مواجهة الكيان الصهيوني، من جهة ثانية.
وبهذه الطريقة، يضمن الصهاينة والدول الكبرى إضعاف العرب، ومنعهم من تحقيق مشروعهم النهوضي الحضاري.
- وبلا شك - إن احتلال إيران للجزر العربية الثلاث، خدم الكيان الصهيوني كثيرًا؛ لأن قيام دولة معادية للعرب، باحتلال واحد من أهم الممرات المائية في منطقة الشرق الأوسط، والعالم «مضيق هرمز»، يعني: تطويق العرب، وإضعاف فعالية المقاطعة الاقتصادية التي استخدمتها الأقطار العربية، كسلاح ضد الصهاينة، - منذ - قيام إسرائيل عام «1948م».
- فضلاً - عن ذلك، فقد ضمن احتلال إيران للجزر العربية الثلاث، والسيطرة على مضيق هرمز، بوصفه البوابة المهمة للخليج العربي للكيان الصهيوني، تدفق النفط الإيراني بلا معوقات جدية، مثلما كان يحدث سابقًا، قبل احتلال إيران للجزر العربية الثلاث.
لقد كان الدور الإسرائيلي، واضحاً في احتلال إيران للجزر العربية الثلاث، حيث قدمت إسرائيل دعماً لوجستيّاً كبيراً لإيران.
في الوقت الذي ضغط فيه اللوبي الصهيوني، على عدد من الدول الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة، ومجلس الأمن؛ لضمان سكوتها عن المخطط الإيراني العدواني، وهكذا احتلت إيران الجزر العربية الثلاث، في ظل صمت وسكوت دوليين، تماماً كما حدث أثناء إقامة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين العربية، مما يؤكد ترابط المخطط العدواني على الأمة العربية، سواء في فلسطين، أو في الجزر العربية الثلاث.
أخيراً، يعتبر احتلال الجزر الثلاث، من القضايا التي يجب أن تأخذ الأولوية في أسبقية الاهتمامات.
فرفض هذا الاحتلال، والمطالبة بإزالته، وإعادة الجزر لأصحابها، لا ينازعه أي شك في سيادة الإمارات على تلك الجزر.
ومع أن الحرص على تجنيب المنطقة المزيد من بؤر التوتر، وإيمان قادة دول الخليج العربي بتسوية النزاع سلمياً، وتصحيح الوضع الناجم عن احتلال إيران لتلك الجزر، إلا أنه قوبل - للأسف - بإصرار إيراني على رفض مناقشة إنهاء الاحتلال العسكري، ورفض اقتراح الإمارات، بشأن إحالة النزاع إلى محكمة العدل الدولية.
فهل تريد إيران بعد ذلك - كله -، تحريك الموقف السياسي الرسمي - عالمياً - في القضية؛ من أجل إنهاء احتلال الجزر الثلاث، واتخاذ إجراءات وضغوط سياسية واقتصادية طويلة المدى، تمارس على الحكومة الإيرانية؟