من الرائع حقاً أن يكون لقاء الخطاب الثقافي السعودي الثالث الذي يقيمه مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني عن (القبلية والمناطقية والتصنيفات الفكرية وأثرها على الوحدة الوطنية)، والأكثر روعة في هذا اللقاء أن يكون النقاش حراً بلا قيود، لأنه يتناول ظاهرتين اجتماعيتين لهما تماس مباشر بمفهوم الوحدة الوطنية، ولأن هاتين الظاهرتين تندرجان تحت مفهوم المسكوت عنه، ولأن المفهوم الأول (الوطنية) أهم وأرقى مفهوم الظاهرتين، فمن الضرورة القصوى تناول هاتين الظاهرتين بكل ما فيهما من سلبيات وقليل من الإيجابيات. فنحن لو أحسنّا الظن مثلاً ومن دون أية تنظيرات أنتربولوجية أو أيدلوجية لقلنا إن (القبيلة أسرة كبرى) تتكون من أفراد ينحدرون من أم واحدة هي القبيلة، تلك الأم التي كانت تؤمِّن لأولادها الحماية والفزعة و(المَدّه والهدّه والشدّه) نظير الولاء المطلق لها مما ينتج عن ذلك لاحقاً مفهوم (القبلية) كعنصرية ضيقة ونظرة أحادية نحو الآخر مهما كان.!!).
أما المنطقة فهي عكسها تماماً لأنها عبارة عن (قبائل صغرى- وعائلات تنتمي أفرادها إلى أم واحدة هي المنطقة التي تؤمِّن لأولادها الاستقرار والتعاون والتكاتف والتكافل فيمنحونها نظير ذلك الولاء المطلق مما ينتج عنه فيما بعد مفهوم (المناطقية) التي تعني (إقليمية ضيقة وأنانية) تجاه الآخر أيضاً... نكمل لاحقاً.
وفي تطور الحياة وتعدد ضروراتها أصبحت القبيلة والمنطقة لا تلبيان حاجات (الابن، الفرد) كاملة مثل (الوظيفة، الاستقرار، الأمان)، فلجأ (أبناء القبيلة وأبناء المنطقة) على حد سواء لمن يلبي ويحقق لهم هذه الاحتياجات (العصرية)، فوجدوا في (الوطن - ممثلاً بالدولة) الأب الذي يرعاهم ويرعى مصالحهم ويحقق احتياجاتهم، فاتحدوا تحت عباءة هذا الأب الذي منحهم كل متطلباتهم فمنحوه لقاء ذلك الولاء المطلق الذي أصبح يخفف بالتدريج من الولاء للقبيلة والمنطقة حتى أصبح الولاء السابق مجرد احترام ليس إلا وتحديداً (هو جميل) فقط ونبذ ما هو سلبي. لذا فإن تعميق الولاء الوطني أصبح لصالح الجميع. ومن هنا فقد أصبح لزاماً على الجميع أن يرفع راية الوطنية.
نكمل لاحقاً..