مرة أخرى يعود أكتوبر، إذ يقف العالم صفاً واحداً في وجه الحاصد الغامض، والقاتل الصامت، وأعني بذلك السرطان وما يصيب منه الثدي تحديداً، فبكل الهالة السوداء التي تحيط به حزناً، وتفتك بضحاياه ألماً، وتورث في قلوب ذوي مرضاه غصةً ومرارةً، لكن الشريط الوردي إياه، كان وسيظل بارقةً للأمل، تعويذةً تلتف حولها الجهود بحثاً وتقصياً ورصداً، لتقصي الأسباب وسبر أغوار العلاج، لإضاءة بارقة في طريق الخلاص، كجذوة تفاؤل في نفق مظلم نحو نور الشفاء.
وفي برنامجه الأسبوعي واجه الصحافة، سلط المبهر داود الشريان نقطة ضوئه على أكثر من سبب لتفاقم أرقام المصابين بالداء في مملكتنا، واستضاف من أجل ذلك أكثر من خبير، فانبرى أحدهم وهو خبير أبحاث المسرطنات بمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث الدكتور فهد الخضيري، واضعاً «المندي والمظبي» في فقص اتهام واحد، وبجانبهما كل أنواع الأكل التي يكون فيها حرق مباشر بالنار، محذراً في سياق ذلك من بعض أنواع (شيبس) الأطفال التي تندرج تحت المسرطنات.
لاشك أن الرأي السابق هو لعموم أنواع السرطان، ولا يمكن قصره على سرطان الثدي عما سواه، لكنني توقفت لوهلة عند ذلك الرأي متسائلاً، وهل يحلو لسوادنا الأعظم نحن السعوديون طعاماً سوى ما حرق بنار الشواء؟ واكتوى بلهب جمر الحطب؟ إنها عادات غذائية متوارثة جيلاُ بعد جيل، حتى أخذ التنور من زوايا استراحاتنا وأسطح مازلنا ركناً ثابتاً، وأضحت مداخن مطاعم الأكلات الشعبية تفرض واقعاً، رغماً عن البيتزا والسوشي وحتى الهمبرجر!
أما الشيبس بأنواعه، فهل تخلو منه حقيبة تلميذ إلا فيما ندر ؟ أو هل يمُنع من رف في مقصف مدرسي إلا بوجود رقيب صارم ؟ أو هل سواه نقتل به جوعنا إذا بحثنا عن سواه ولم نجد ؟
تُرى كيف يمكن أن نكون جزءاً من ذلك الشريط الوردي الجميل وعياً وإدراكا ً؟ ربما عندما نتخلى عن تلك العادات الغذائية إذ أثبتت تورطها الأرقام وجزمت بضررها الحقائق والأبحاث، فليس أشد فتكاً بنا من أنفسنا إذا سمعنا الحقيقة وتغاضينا عن تصديقها، وليس أظلم بأجيالنا القادمة منا إذا أسرفنا في نشر عادات غذائية متهمة بأنها تسهم في قتلهم، وليس أرحم من خالقنا بنا لكن إذا أخذنا بالأسباب ثم توكلنا، فلنقتصد في لذة الطعام المحروق بالنار إذا كان سيورث بعد سنين قلوباً محروقة بطعم الفقد وألم الرحيل، ولنشترِ درهم الوقاية قبل أن نضطر - لا قدر الله - لقنطار علاج قد ينهكنا البحث عنه!
محاضر بجامعة جازان