عزيزتي الجزيرة:
نشرت صحيفة الجزيرة في عددها يوم الاثنين 7 محرم 1432هـ قصيدة مطولة للشاعر د.حيدر مصطفى البدراني بعنوان (ساهر).
والعناية بالقصيدة كانت واضحة، فقد أخذت ما يزيد عن ثلث مساحة الصفحة بخط كبير، يختلف عن الخط العادي التي تنشر به القصائد التي تصل إلى صفحة الرأي أو: وجهات نظر.
وقد فسرت هذه العناية بأن القصيدة وجدت حظوة لدى المشرف على تحرير الصفحة فأوصى بها خيراً، ولعل الألم والأمل جمعه وشاعرنا تجاه (ساهر) الذي انضم إلى العيون الساهرة على أمننا آناء الليل والنهار!.
وحال (ساهر) معنا مثل حال أي جديد ينال جدلاً بين القبول والرفض، وإظهار الحسنات قليلاً، وإذاعة السيئات كثيراً، والتعامل معه في وجهة نظر شخصية مبنية على المصلحة المنفعية المباشرة والآنية.
والقصيدة ما كانت لتأتي من شاعرنا لولا نكبته في مخبوء رصيده، فهو لم يشر في قصيدته إلى أي دور إيجابي لساهر، وأنه ساعد في تقليل نسبة الحوادث وما ينتج عنها من تلفيات في الأموال والأرواح، ولكنه يصرخ قائلاً:
لقد كلفتني ما لا أطيق، فلم أعد صابر
وجيبي قد غدا صفراً وجرح مصيبتي غائر
ويطلب من (ساهر) ما ليس من عمله واختصاصه، ويضع ميزاناً خاطئاً للتعامل في القضية فيقول:
عجيب أن تطاردنا
وتحسب أنك الظافر
أتجعل مؤمناً براً
كمثل الملحد الكافر
وقلباً طاهراً حيّاً
كقلب الأرعن الفاجر
فساهر لا يطارد أحداً، بل هو حارس أمين لا يغادر محل حراسته، ولو تأمل شاعرنا لعلم أنه هو، وأننا نحن جميعاً الظافرون بحراسة ساهرٍ لنا، وليس في ذلك أي عجب!! بل العجب ما يطلبه الشاعر من ساهر أن يفرق بين المؤمن والكافر فيسجل المخالفة على الكافر - ويعفي المؤمن منها!! هل سمعتم مثل هذا من قبل أيها الناس؟! يا صاحب القلب الطاهر! أمر القلوب إلى الله، والله يميز عباده في الآخرة لأنه يعلم خفاياهم، فيجزي المؤمن ببره، ويعاقب الملحد بكفره.
أما (ساهر) أدام الله بقاءه، وأعانه على حرِّ الصيف، وبرد الشتاء فله الظاهر من لوحة سيارتك عندما تخالف الأنظمة المرورية، فيضبطك متلبساً بالجرم المشهود، ويغرمك بعض النقود، حتى يهدِّئ من سرعتك خشية أن تكون فجأةً - المفقود!!
ويدافع الشاعر عن نفسه ويبرر مخالفته للسرعة المحددة متباهياً فيقول:
وما ذنبي إذا أسرعت وكنت الأول الماهر
وكنت بعالمي صقراً أحلق في الفضا طائر
كذاك خلقت لا تعجب لطير بارع ثائر
أجوب عوالمي أسعى على المحتاج والقاصر
يا شاعرنا الحبيب! الشوارع ليست حلبات سباق لتكون الأول الماهر، ويكون غيرك المقصر الآخر. ولا تنس أنك تسير على الأرض، وعباد الرحمن البررة المؤمنون يمشون على الأرض هوناً، فإنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولاً!! وخطؤك أنك تتخيل نفسك صقراً محلقاً في الفضاء، ومن كان كذلك رأى الآخرين حمائم وعصافير مسكينة فلا يبالي كيف ينقض عليها ويمزقها!! ولذلك فإنّ (ساهراً) يسهر على حمايتها، ويحفظ أمنها، وعندما تنضم إلى الذين يسيرون في الأرض، ويطلبون السلامة والأمان ستدري ما لا تدريه في قولك:
ولا أدري متى يرضى
بك المقهور يا قاهر
والقاهر هو الله سبحانه، والمقهور هو الظالم لنفسه ولعباد الله والمستهتر بالأنظمة والقوانين.
أما العفو والغفران والصفح والحب والإحسان فينبغي أن تكون في قاموس الإنسان في تعامله مع خلق الله بالإيثار لا بالأثرة، وبالهدوء لا بالعجلة.
ويختم القصيدة قائلاً:
إذا لم تنصف المظلوم والمتغرب الشاعر
فليس له سوى الشكوى لربّ عادل قادر
وأقول لشاعرنا الحبيب: أولاً لا علاقة بين المظلوم والمتغرب الشاعر. فلكل منهما شأن، والإنصاف يكون أولاً بالتزام الناس حدود الحرية المرسومة لكل منهم، فكيف تتعدى الحدود ثم تطلب الإنصاف بإسقاط العقوبة المحددة للمخالفة؟ فلو أنصف السائقون لاستراح المرور والساهر!!
أما شكواك.. فنعم المشتكى إليه ربُّ عادل قادر!! ولكن يا ترى على من سيحكم الربُّ العادل القادر في قضيته (ساهر)؟!
شمس الدين درمش - الرياض