كتب - عبدالعزيز المتعب :
(مدارات شعبية) جزء لا يتجزأ من قرائها ومتابعيها الأعزاء، وهي في جانب كبير منها صدى لرغبات طلباتهم وما يجول في خواطرهم، وهي إذ تستضيف مجموعة من الشعراء المعروفين لتطرح عليهم (محور) كثر التساؤل حوله فهي من جهة أخرى تستجيب عبر مساحات محبتها بحيادية منصفة للعديد من القراء الأحبة الكرام الذين أحبوا شفافية (مدارات شعبية) وبادلتهم هذا الحب الكبير الذي نسعد به:
في البداية، قال الشاعر المعروف مهدي العبار العنزي: المصالح في هذا العصر غلبت على كل شيء في الحياة ومنها الشعر، وهذه المصالح التي جعل منها أصحابها موجهاً لعقولهم وخطواتهم وتناسوا مع هذه المصالح الكثير من الفضائل الخلقية والقيم الكريمة، وهم يعتقدون بذلك أنهم أتوا بجديد يذكر - بينما الحقيقة - تقول بأنهم يحملون معاول هدم لنزيه الأخلاق وراقي الأفكار ونير العقول، أما بالنسبة للشعر فهو يتعرض للظلم من أولئك الذين يدعون بأنهم يملكون ناصيته، بل بسبب تجاوزاتهم أصبح يتعرض للظلم من أناس لا يقدرون مكانته ولا يحترمون مفرداته وجزالة ألفاظه، وهؤلاء هم من يحاولون قتل الإبداع ولكنهم لن يستطيعوا ذلك والشعر تاريخ، ومجد، وموروث، وتراث - إذا لم يعلموا بذلك - فعليهم أن يعلموا!!.
وقال الشاعر الجزل طلال صالح العتيبي: (الشللية) غير المنحازة للشعر الجزل وللشعراء المتميزين والتي التفت حول نفسها وحول منابر الضوء لمصالحها الخاصة بانتهازية مكشوفة هي (ليست بجديدة) على الساحة الشعبية، بل مما يؤسف له أنها متجددة، ولعبتها تتمثل آليتها في إبعاد الشعراء الرموز وإبدالهم بأشباه شعراء ليكونوا جزءا من تنفيذ الألاعيب التي لم تعد تخفى على أحد فهم يستميتون في محاربة الشعراء الجزلين بأساليب خفية وغير نزيهة لأنهم أجزل شعراً منهم وأغزر ثقافة، ومشرفون في حضورهم في المشهد الثقافي والحراك الأدبي؛ لذلك لا يجد هؤلاء المستشعرون بداً من محاربتهم بطرق خفية وإقصائهم عن مساحة الضوء وكأنهم من كوكب آخر (وكل ذلك يتم على مرأى ومسمع الجميع دون اتخاذ أي خطوة حاسمة تجاههم) لهذا يتمادون لأنهم أمنوا العقوبة، ومضوا في طريقهم يحصدون الغاية تلو الغاية بعيداً عن مشروعية ومثالية وسيلتهم التي هي آلية وصولهم لمبتغياتهم، وحتى لا أبرئ الشعراء الكبار فقد ساهموا بإبراز هؤلاء المستشعرين - من حيث لا يدرون أو يدرون - فهم حينما ابتعدوا عن النشر والتواجد والحضور - وهذا تصرف سلبي منهم - أعطوا المجال والفرصة السانحة لغيرهم من الدخلاء على الشعر والساحة الشعبية لينفذوا ألاعيبهم.
وأضاف الشاعر المتميز عبيد بن فالح أبو جراح أبو ثنين: الشعر الجزل في كل زمان ومكان وهو ليس محصوراً على جيل دون غيره والتاريخ خير شاهد، ولكن مهما كثرت التبريرات وتنوعت فإنها لا تخلق عذرا لمن أنيط بهم خدمة الشعر والشعراء عبر الإعلام المقروء والمسموع والمرئي، ومع هذا لم يؤدوا دورهم كما يجب، فنحن في المملكة العربية السعودية مركز الشعر ومحوره وتاريخه، ويجب أن نحافظ على مكانته وهي الصدارة دائماً، لكن الملاحظ بالأدلة أن الكثيرين انتموا للساحة الشعبية لغاياتهم وأهدافهم على حساب الشعر، ودور الإعلام الحقيقي هو رصد تجاوزاتهم لأنها أخطاء بحق الشعر وأهله وتاريخه، وليست أخطاء شخصية تعنيهم فقط ولا تخص غيرهم؛ فكل منتم غيور محب للشعر وأهل الشعر يجب ألا يجامل أو يداهن على حساب هذا التراث الأصيل الشامخ.
من جانبه، قال الشاعر المتألق: عبدالله بن حجاب بن نحيت: الساحة الشعبية ليست على قلب واحد وتحتاج إلى أعادة نظر فبينما يتواجد فيها من يحب الشعر للشعر والإبداع، يخترق صفوفها من (استشعر) ودخلها لأهداف أبعد ما تكون عن الشعر، والأدلة ملء السمع والبصر، وأتمنى من أعماقي حلا سريعا يتم بموجبه تنقيتها من المتمصلحين على حساب جمال الشعر وألقه ولا أجد غضاضة في ذكر قائمة طويلة من الأسماء اشتركت -مع الأسف- في الإساءة للشعر الرائع ومن ينتمون إليه بمواهبهم الأصيلة وذائقتهم الرائعة، وأنا على يقين -بإذن الله- بأن الامور ستعود إلى وضعها الطبيعي في الساحة الشعبية لا محالة.
وأضاف الشاعر والإعلامي هادي الجنفاوي: لقد سئمنا تجاوزات هي أقرب للمهازل منها لما سواها ورددنا مع الشاعر قوله:
وقد أسمعت لو ناديت حياً
ولكن لا حياة لمن تنادي
ومن المؤسف سبات الكثير من الضمائر العميق دون أي ردة فعل توحي لشبه المتأمل لئلا ييأس تماماً مما هي عليه الحال، فقد وضع اللاشاعر في مكان الشاعر، ووضع غير المتحدث في مكان المتحدث لتنكشف للجميع كذبة الشاعرية المدعاة والثقافة الوهمية المفترضة، فلماذا كل هذا وإلى متى نستهلك الصبر والصمت المطبق على هؤلاء؟.
من جانبه أضاف الشاعر الكبير والناقد سعد الثنيان:
الشعر والإبداع لا يفترقان، فإن غاب الابداع غاب الشعر، إلا (إن كان هذا الشعر تعليمياً لا طعم له ولا رائحة) وعلى مر التاريخ هناك من استفاد من شعره فائدة معنوية أو مادية - هناك من امتهنوا الشعر - فقرأنا لجرير والفرزدق والمتنبي وأبي تمام، وكيف أجزلت لهم العطايا ابداعا شعريا وثناء من المعجبين. والشعر الشعبي لا يقل عن أخيه العربي الفصيح، فيه روائع كانت ولازالت نبراساً يستنار به، تحليق في سماء العطاء ونحت للقوافي وتنافس في الصور والأخيلة يقابله دعم للتميز، وكان الشاعر يحسب للمتذوقين ألف حساب، ويتردد كثيراً قبل أن يتلفظ بكلمة واحدة، وكان الشعراء ندرة فإذا بزغ نجم شاعر ضج صدى شعره في المجالس ورحبت الساحة بجميع أطيافها؛ لأن الشاعر قصيدة، فأصبح للشعر وللنقد أدواته وازدهر الشعر والشعراء. واليوم حدث ولا حرج، كثر الشعر والشعراء وزاد ازدحامهم على الظهور وأصبحت القصيدة تستنسخ والمفردة مكررة بين كل شاعر وشاعر حتى سئم المتلقي ما يحدث من ضجيج وتكلف في المعنى والمبنى، وظاهرة غريبة أصبح التلاسن بالشعر ظاهرة تفوق الحد ولا أعمم فهناك من يلوذ بالصمت لما يشاهده من خلط للمفاهيم ووضع قواعد للظهور والانتشار ليست من الشعر في شيء، وأخشى ما أخشاه أن يطول صمت هؤلاء فتهب عواصف الانحطاط الشعري التي بدت بوادرها.