هذا العنوان جزء يفيد عنواناً كاملاً هو: وسم على أديم الزمن: لمحات من الذكريات، وهو أيضاً الجزء العشرون من سلسلة لمعالي الدكتور عبدالعزيز الخويطر، متعه الله بالصحة والعافية، الذي وهبه الله قلماً سيالاً، وبارك في وقته مع كثرة مشاغله، نسأل الله أن يعينه على مشواره، الذي أمتع القراء فيه، بجزء مما رصد من سيرته وأعماله،
وأبان فيه عن بعض العلاقات والمواقف ومع أنّه في هذا الجزء يتحدث عن عمله في وزارة الصحة، واجتهاده في تيسير التأمين الصحي والمستشفيات لكل مواطن إلا أنه في هذه الحقبة الزمنية، قد ابتلي بأمراض عديدة، في عينه حتى أنه يُقرأ عليه، ثم يوقِّع، وفي ركبتيه، التي أخرج عنها بعد الشفاء كتباً مستقلاً وأورد أمراضاً أخرى مع أنه الوزير للصحة فكأنه آثر الناس على نفسه، وقد بان هذا في صفحات من هذه الذكريات، وخاصة التدليك للركبة، كما أبرز ما أصاب بعض المسؤولين من الأمراض: كالملك فيصل والملك فهد والدكتور رشاد فرعون رحم الله الجميع، وغيرهم ممن جاء ذكرهم.
وفي كتابه هذا الذي هو بين أيدي القراء، نرى المؤلف يريحهم بمنهجه فعن المحتوى ذكر في الغلاف الخارجي ذلك بقوله: هذا هو الجزء العشرون من كتاب ذكرياتي، (وسم على أديم الزمن) جاء ما فيه على نسق الأجزاء التي قبله، في الخطة والأسلوب, وقال في هذا الجزء تركيز على عملي وزيراً لوزارة الصحة، وتدخل الحوادث المرصودة، في عام 1394هـ - 1974م، والعام الذي يليه، وما جاء فيه هو ملامح من الحياة التي أحاطت بالمؤلف، في هذه الحقبة وعمله.
وفي هذه السلسلة التي هي بين أيدي القراء: الجزء العشرون الذي تبلغ صفحاته 577 صفحة يزيد عليها 87 صفحة للفهارس والصور، ليصفو الكتاب على 481 صفحة بعد المقدمة وما يلحق بها التي استحوذت على 9 صفحات.
وقد خرج هذا الكتاب، في طبعة أنيقة من الحجم المتوسط، وعلى نفس النمط والتنظيم وبنط الحروف المتميز بالوضوح وبروز الحروف، كما قال أستاذنا الشيخ عبدالرزاق عفيفي -رحمه الله- في نصحه للصحف العلمية والرصينة بتكبير البنط قائلاً: إن هذا يرمز للوقار، ويرغب القراء في التتبع والقراءة لأنهم من أصحاب النظارات.
ومثلما بين منهجه في هذا الجزء، الذي مر بنا، فإنه قد اختط لنفسه فيه، وفي المقدمة الجيدة، ذات الفوائد لكل كاتب، ليحتذيه في اتخاذ منهج متميز، حيث بدأ بالمقدمة موضحاً أن هذا الجزء يتحدث عن عمله وزيرا للصحة، وأغلبه حديثاً عن العمل الرسمي في أجزاء السنتين 1394هـ - 1395هـ. وذلك رغبة في الوضوح.
وأما ما يخص حياتي الخاصة وأسرتي فهو قليل، إذا ما قيس بالنشاط الرسمي.. والحوادث في هذا الجزء تتحدث عن نفسها، بوضوح وترتبط بالتواريخ التي حرصت أن تحكمها زيادة في الفائدة، ما أمكن ذلك وحرصاً على التوثيق.
وهذا عنده من الشفافية في إيضاح منهجه المتميز في هذا الجزء، إلا أنه بين: بأن السير في هذا الجزء حكمة والمنهج الذي سِرْتُ فيه في الأجزاء السابقة، وهو منهج أبعد عن التكلف، في الصور التي يرسمها، والأفكار التي يدلى بها، والحوادث التي يصفها، واللغة التي يتحدث بها، فالتكلف آفة تحبط الأفكار، وتوهن الآراء، وتضعف الثقة في الكاتب وما يكتب.
إن عدم التكلف، والحرص على قول الحقيقة، يعد وفاء من الأمين فيما أعطاه، من وعد أخذه على عاتقه، أن لا يتعداه، وأن يكون صادقاً مع نفسه، وصادقاً لغيره، وهو بهذا يؤدي أمانة العلم للناس، كما يود أن تؤدى له.
إن الكاتب الأمين الصادق، هو من يحفظ للتاريخ حقه، ليكون صورة واضحة لزمنه، وأساساً يبنى عليه ما سوف ينطلق بعده ومنه من كتابات تاريخ يكون نوراً ساطعاً، يكشف الحقائق، ويربى ما يكمن خلفها، ويكون أداة تساعد على التحليل والخروج بنتائج تسر عين الحقيقة، وتبهج قلبها، وتُطْرب نفسها.
إن ما يكتب اليوم بأمانة لا يقدر بثمن للحاضر والمستقبل، وقد يوفق الكاتب المخلص، أن يضع القواعد في ثنايا المنهج الذي اختطه، والأسلوب الذي اختاره، تُغري غيره بالاقتداء به، عن اقتناع ومتابعته عن تقدير، ويتسلسل هذا المنهج مخترقاً العصور (المقدمة 5-7).
إلى آخر ما جاء في هذه المقدمة، التي تعتبر ذات قيمة كبيرة عند الكاتب المنصف، وترسم طريقاً ممهداً لما يجب أن يحتذيه كل كاتب لكي يكسب ثقة قرائه، لأن المهم الصدق والوضوح وتحديد الهدف مع الأمانة.
ثم يستمر المؤلف في سرد الأحداث لعام 1394هـ- 1974م ببداية فيها تفاؤل حيث قال: جميل أن نبدأ هذا الجزء بحفل غداء، ونرجو أن يكون هذا الجزء دسماً، بقدر ما كانت عليه الحفلة، من دسامة تليق بمعالي وزير خارجية باكستان الذي وصل للمملكة, وأقيم له حفل الغداء، في الساعة الواحدة والنصف، من ظهر يوم الثلاثاء 15 من شهر ربيع الآخر. (ص10).
وقد ذكر إفطاره في رمضان، وقارن ذلك بإفطاره مع الملك فاروق مع الفارق في الحالين زمناً وترتيباً، وقال: بأن الدكتور معروف الدّواليبي، وهو من المداومين على الإفطار مع جلالة الملك فيصل، لاحظ بأن الملك يهتم بدخول الوقت، وغروب الشمس كثيراً فصار يقوم من مقعده إذا اقترب الوقت، ويقف عند النافذة ويتطلع للشمس.
وكان الملك فيصل -رحمه الله- يداوم قراءة تقويم أم القرى، ويتفحصه جيداً، التاريخ والبروج والأنواء، ويقرأ كلمات الحكمة والأدب وغيرها، ويجد أحياناً ما يوجب الملاحظة، أو الاستفسار، وفي يوم من الأيام، لاحظ وهو يقرأ التقويم، للسنة الجديدة وكان التوقيت غروبياً أن التقويم أدخل صلاة العشاء الساعة الواحدة وعشر دقائق، بدلاً من الواحدة والنصف، وهو ما عليه العمل دائماً منذ سنوات، فتعجب -رحمه الله- وظن أنها غلطة، فأخبر أن وزارة المالية استعانت هذا العام بأحد مدرسي الرياضيات الفلكيين، في وزارة المعارف، وهو الأستاذ سعيد الطنطاوي أخو علي الطنطاوي.
وأنه حسب ظهور الشفق فإن صلاة العشاء تبدأ من الواحدة وعشر دقائق، فأمر الملك -رحمه الله- أن يطبع التقويم من جديد، على النظام القديم، لأنه لم يقتنع بالفكرة الجديدة، ولعله -رحمه الله- رأى وهو المسؤول عن الناس أن قليلاً منهم سوف يفهم الأمر، و يقتنع به، وهذا سوف يوجد بلبلة خاصة وأنه لا داعي لهذا، إذ إن وقت العشاء وقت طويل، وبعض العلماء يفضل تأخيرها (ص104-106).
ومرت به ثلاث شدائد في وزارة الصحة، الأولى التهاب حاد في عينه، الثانية انتشار الكوليرا وقت الحج بمكة، التي جاءت مع النيجيريين وتستروا عليها، الثالثة انتفاخ الركبة مما جعل المشي مؤلماً، وكأن في الركبة مسامير تخزها مع كل حركة، وقد أجرى لها عملية في الخارج ناجحة وألف في ذلك كتاباً (ص116-121). وقد وضع ملاحظة لشعار الدولة، على بعض ما يؤمن لها حتى لا تتسرب المواد إلى الأسواق، مع أن اللعب بمواد الوزارة لا يتوقف، لكنه أحياناً يستبدل بأنواع رديئة، وهذا لا يقتصر على وزارة الصحة، بل يشمل كل الجهات الحكومية التي لديها تأمينات مثل المواد. وفي زيارته يوم السبت 24 من شوال، زار محل المطلق للأثاث، وفي أثناء الحديث مع صاحب المحل مطلق المطلق، عن الأثاث والزبائن فقص عليه بألم وحرارة، قائلاً: دخل علي شاب متعلم، حصل حديثاً على الماجستير في أمريكا، وكان يبحث عن غرفة نوم، فأريته أحسن ما عندنا، فالتفت إلي وقال: ألا يوجد عندكم أغلا من هذه؟ فكأنه ضربني على وجهي، وكنت أتوقع أن يقول: أليس عندكم أحسن من هذه، أو أريح من هذه، أو أعرض من هذه، لا كما يريد واحدة أغلا, لو جاء هذا من جاهل لوجدنا له العذر (ص 125-136). ومن ص 171 دخل في أحداث عام 1395هـ - 1975م، ففي يوم الثلاثاء 2 من محرم (14 يناير) قيد ثلاثة أمور:
الأول: أصيب صاحب السمو الأمير فهد بن محمد بوعكة صحية استوجبت زيارته من قبل طبيب، الثاني: سافر صاحب الجلالة الملك فيصل -رحمه الله- إلى دمشق، الثالث: أصبح الشيخ عبدالعزيز الحمد العبدلي، وهو صديق قديم له، يقم إقامة دائمة في جدة فذهب لزيارته (ص171).
ومن ص 237 - 285 تحدث عن الملك فيصل -رحمه الله- واهتمامه بالتاريخ وأورد نماذج من ذلك وحكايا عن الإمام تركي رحمه الله، ومن ص 286 كانت ولاية الملك خالد -رحمه الله-، وأورد شيئاً من حياته، وقدوم مجموعة من السفراء، وخروجه للقنص مع جلالته، وفي هذه الرحلة بعض الطرائف منها أن الدكتور محمد عبده، أخذ الجهاز، وعندما حركه على يمين سيارتهم قال: عجمي عجمي هنا على يميننا حبارى، فردوا عليه: إن ما رأيته (حصني) فلم يحادث بالجهاز بعدها د. محمدعبده، واستمر في حديث رحلة الصيد الشيقة هذه إلى نهاية ص 206.
وعلى العموم فإن هذا الجزء به معلومات قيمة، وذات علاقة بالتنظيم في المملكة، كما بان اهتمامه بالمستشفيات بعد ذلك: شراء وبناء وترميماً للقائم منها، وسكناه مع أسرته وبناته في الطائف.. لكنه مع ذلك التسجيل أبان عن حدث جديد، بوصول طائرة جديدة (تراي ستار) يوم السبت 24 رجب إلى جدة، وأقيم لها استعراض مشهود في مطار جدة الساعة 9 صباحاً (ص 447).
وقد سجل تاريخ وفاة الشيخ عبدالرحمن القويز إمام الملك عبدالعزيز، ثم رابطته بالأمير عبدالله بن عبدالرحمن، ونماذج مما دار بينه وبين الملك عبدالعزيز -رحمهما الله- ونوادره (ص 46 - 464).
وختم كتابه بالصور (ص 484 - 512) والفهارس وهي أربعة فهرس لموضوعات، وفهرس الأسماء، وفهرس الأماكن، وفهرس الصور (514 - 577).