انخفاض معدل النمو الاقتصادي عن معدل النمو السكاني، يعني أن هناك خللاً ما في أداء وكفاءة الاقتصاد. ومعالجة أي خلل يمكن أن تتخذ مساراً إيجابياً أو مساراً سلبياً. وقد يتجاوز المسار الإيجابي تصحيح الخلل إلى خلق مناخ ملائم للنمو الاقتصادي يحمل قدرات الاستمرار وإمكانات الارتفاع، في حين يركن المنحنى السلبي إلى التوازن المؤقت الذي ما يلبث أن يختل فيضعف من قوة الاقتصاد ويحدّ من قدرته على تحقيق التنمية المستدامة.
المنحنى السلبي يعالج جانب النمو السكاني ويطرح الدعوة إلى كبح جماحه بوسائل مختلفة، مشجعة أو رادعة، بهدف ردم الفجوة بينه وبين معدل النمو الاقتصادي. وتكمن الصفة السلبية لهذه المعالجة في تحجيم عنصر فاعل من عناصر الإنتاج، هو عنصر العمل. وأي نهج سلبي، وإن كانت له نتائج إيجابية في الأجل القصير، إلا أنه لا يشكل سياسة اقتصادية رشيدة في الأجل الطويل، الأمر الذي يمثل المحك الحقيقي لنجاح أي سياسة اقتصادية. وتتجسد المشكلة هنا فيما يحدثه هذا النهج السلبي من ضعف في استغلال عنصر العمل واعتبار ارتفاع معدل النمو السكاني عقبة أمام النمو الاقتصادي، وهذه رؤية قاصرة قد تؤدي إلى تخاذل وتراجع الاقتصاد وتؤصِّل فيه مكونات اللاتوازن.
وفي المقابل، ترتقي المعالجة الإيجابية لحالة اللاتوازن بين معدل النمو الاقتصادي ومعل النمو السكاني بروح الإبداع والتحفيز في الاقتصاد وتدفعه نحو كسر هذه الحالة والانعتاق من حلقتها المفرغة والانطلاق في مسيرة التنمية المستدامة. ويرتكز حجر الزاوية في هذه المعالجة الإيجابية عل مفهوم التوظيف الكامل لعناصر الإنتاج مجتمعة وصهرها في بوتقة تثري أداء وكفاءة الاقتصاد وتخرجه من حالة اللاتوازن وتضعه في المسار الصحيح.
ومن المؤسف أن معظم من يتصدى ويكتب في الصحف المحلية عن مسألة النمو السكاني هم ممن يميلون إلى المنحى السلبي بحكم أنهم غير متخصصين في علم الاقتصاد، وبالتالي فإنهم يتحدثون عما لا يفقهون. مشكلة هؤلاء تتجسد في رؤيتهم السطحية التي تحجب عنهم القدرة على التفكير المبدع الذي يحث على حسن استثمار الموارد البشرية التي يمكنها أن تقود الاقتصاد وتنطلق به إلى آفاق أرحب ومستقبل أفضل.
* رئيس «دار الدراسات الاقتصادية» - رئيس تحرير مجلة «عالم الاقتصاد» - الرياض