الرياض - خاص بـ»الجزيرة»
أعباء الحياة ومنغصاتها ومشكلاتها أضحت سمة من سمات هذا العصر.. ومما لاشك فيه أن هذه المشكلات والمنغصات على تعددها، وتنوعها تؤثر في العقل البشري مما يترتب عليه انفعالات تظهر على الإنسان، وعلى تعاملاته لحظة حدوث هذه الانفعالات، ومن البدهي أن الدين الإسلامي بتشريعاته المحكمة، وتعاليمه الحكيمة عالج هذه الظاهرة التي لا يخلو منها أي إنسان، سواء كان كبيراً أو صغيراً، رجلاً أو امرأة من خلال القرآن الكريم، والسنة المطهرة في أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم، أو أفعاله - عليه الصلاة والسلام -.. عدد من المتخصصين في العلوم الشرعية يتحدثون عن علاج الإسلام لظاهرة الانفعالات عند الإنسان التي يواجهها في كل وقت وزمان.
وسيلة لا غاية
بداية يبين د. طارق بن محمد الخويطر - الأستاذ المساعد بكلية الملك خالد العسكرية: إن المسلم يعلم يقينا أن هذه الحياة دار ممر وليست دار مقر، وأنها وسيلة للآخرة وليست غاية، وأن فيها من الأتراح والأحزان والمصائب الشيء الكثير؛ ولذا يقول المولى - جلَّ وعلا - {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ} ولأن هذه الحياة مشتملة على المصائب والأحزان، ذكر في القرآن الكريم الصبر في عشرات المواضع، يبيَّن الله - جلَّ وعلا - فيها فضل الصابرين والأجر الذي وَعَدهم به، ومن ذلك قوله تعالى: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ).
والسُّنة الكريمة فيها أحاديث كثيرة في فضل الصبر وعلو منزلته، ومن ذلك: حديث المرأة التي جاءت للنبي صلى الله عليه وسلم وقالت له: إني أُصْرَعُ وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لي، قال: «إن شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ»، فقالت: أَصْبِرُ، ثم قالت: إني أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ لا أَتَكَشَّفَ، فَدَعَا لها.
وأيضًا إذا عرف المسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أفضل البشر على الإطلاق جاءته من المصائب الكثيرة والشدائد العظيمة، وأولها: فقد والديه، ثم فقد عمه، ثم فقد زوجته خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، ثم وفاة بناته الثلاث: زينب ورقية وأم كلثوم، وابنه إبراهيم بعدما تعلق به عليه الصلاة والسلام، وما حصل له أيضًا من تكذيب قريش له واعتداء أهل الطائف عليه، وكذلك الضرر الذي لحق ببدنه الشريف في غزوة أحد، ثم السم الذي تناوله في خيبر، ووجد أيضًا أثره حتى عند وفاته عليه الصلاة والسلام، وكان إذا وعك يوعك وعكًا شديدًا، كما جاء في الحديث أنه قال صلى الله عليه وسلم: «إني أُوعَكُ كما يُوعَكُ رَجُلانِ مِنْكُمْ».
فإذا علم المسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم - وهو أفضل البشر - ما خلت حياته من الأحزان والأتراح، استحقر نفسه على حزن يخيم عليه بسبب شيء بسيط، أو أمر تافه، ولو فكر في أن يحدث له بعض ما حدث للنبي صلى الله عليه وسلم لما تحمل هذه الحياة، ولاشك أن المصائب والأحزان تؤثر على سلوك الإنسان، سواء في تعامله مع زوجته أو أولاده، وكذلك في تعامله مع الناس، وكثير من الناس لا يتحكم في تصرفاته، بسبب ما مر به من حزن وترح، لكن الذي كتب على المؤمن هذه المصائب والأتراح والأحزان أرشده إلى حسن التعامل مع الناس، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «وَلْيَأْتِ إلى الناس الذي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إليه».
وإذا أصيب المسلم بشيء من مصائب الدنيا وأثرت على تفكيره وتعامله فإن هناك أمورًا تخفف عليه هذه المصائب، وتجعله بإذن الله ينسى أو يتناسى ما أصابه، ويقبل على هذه الحياة إقبالاً يعلم به أنها قصيرة وليست دائمة، وأن الخلود والقرار هو في دار الآخرة.
وأول هذه الأمور: أن يعلم المسلم الأجر العظيم على هذه المصائب التي أصابته، كما جاء في الحديث: «إِنَّ المُسْلِمَ يُبْتَلَى بِبَلاءٍ فَتُحَطُّ عَنْهُ ذُنُوبُهُ كَمَا يُحَطُّ الوَرَقُ مِنَ الشَّجَرِ»، وليس في الواقع مصيبة أن يصاب الإنسان بشيء إذا علم أن هذه المصيبة تحط خطاياه وتمحص نفسه، وترفع درجاته.
ثانيًا: أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى أمور تخفف على الإنسان هذه المصائب، فأرشد إذا حصل للإنسان ما يغضبه أن يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، كما جاء في الحديث: «وَإِنَّ الْغَضَبَ جَمْرَةٌ في قَلْبِ بن آدَمَ»، وفي الحديث الآخر: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلان يستبان، وأحدهما قد أحمر وجهه وانتفخت أوداجه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا ذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ، لَوْ قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ ذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ».
وأثنى الله - جلَّ وعلا - على العافين في قوله: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}، وفي قوله تعالى: {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}، وفي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ»، وأرشد النبي صلى الله عليه وسلم الغضبان بقوله: «إذا غَضِبَ أحدكم وهو قَائِمٌ فَلْيَجْلِسْ، فَإِنْ ذَهَبَ عنه الْغَضَبُ وَإِلا فَلْيَضْطَجِعْ».
ثالثًا: من الأمور التي تخفف على الإنسان هذه الانفعالات أن يتذكر أنه لا يرضى لأحد أن يسيء إليه بتعامل ولا كلام، وإذا كان كذلك فليفعل مع الناس ما يحب أن يفعلوه معه من حسن الخلق، وحسن التعامل، واللين والرفق، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وَلْيَأْتِ إلى الناس الذي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إليه».
رابعًا: على المسلم أن يقرأ في سير السلف الصالح وكيف أصيبوا بمصائب ومع ذلك لم تؤثر على أخلاقهم ولا على تعاملهم مع الناس، بل صبروا واحتسبوا، مع أن المصائب التي مروا بها مصائب عظيمة، من قتل، وتعذيب، وتشريد، والأمراض التي فتكت بهم، ومع ذلك تقبلوا ذلك واحتسبوا الأجر على الله جلَّ وعلا.
ومن ذلك ما حصل لأنس بن مالك رضي الله عنه، فقد ذكر النووي - رحمه الله - في شرحه على صحيح مسلم: أنه مات له في طاعون الشام ثلاثة وثمانون ابنًا، ويقال: ثلاثة وسبعون ابنا!! وغيره إذا أصيب أحد أبنائه بمرض يسير تجده وقد فقد أخلاقه ولا تسمع منه إلا السباب واللعن والاعتراض على قدر الله جلَّ وعلا، ولا ترى منه إلا سوء التعامل مع إخوانه المسلمين.
خامسًا: أن يعلم أن هذه الحياة لا تساوي شيئًا عند الله جلَّ وعلا، كما جاء في الحديث: «لو كانت الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ ما سَقَى كَافِرًا منها شَرْبَةَ مَاءٍ»، وليتذكر قوله تعالى: {وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ}.
فإذا علم المسلم قصر هذه الحياة، وأنها لا تلبس أن تنتهي، لم يعبأ بهذه المصائب التي مرَّت به، فإذا أصابه شيء منها احتسب الأجر على الله، وقوي إيمانه؛ لأنه يدرك أنه مبتلى، وأن الابتلاء على قدر الإيمان؛ ولذا جاء في الحديث الذي رواه الترمذي: «وَإِنَّ اللَّهَ إذا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاهُمْ، فَمَنْ رضى فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ».
سادسًا: أن يوقن المسلم أن كل ما حصل في هذه الحياة فهو بقدر من الله - جلَّ وعلا- كتبه الله قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، كما ورد في الحديث: «قَدَّرَ اللهُ تَعَالى مَقَادِيرَ الخَلقِ قَبْل أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلفَ سَنَةٍ»،فما أصاب المسلم هو مكتوب في الأزل إن كان خيرًا أو غير ذلك، وليس صدفة حتى يتأسف المسلم ويقول: ليتني لم أخرج، أو ليتني لم أسافر أو نحو ذلك. وقد جاء في الحديث: «اعْلَم أَنّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، وَمَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ»،وفي رواية «وَاعْلَمْ أَنَّ الأمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إلاَّ بِشَيءٍ قَدْ كَتَبَهُ الله لَكَ، وَإِنِ اجْتَمَعُوا عَلى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيءٍ لَمْ يَضُرُّّوكَ إلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ الله لَكَ، رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ، وَجُفَتِ الصُحُفْ»، فإذا علم المسلم أن هذا مكتوب عليه في الأول، وأن كل ما حصل له بقدر الله جلَّ وعلا، علم يقينًا أنه سيصيبه مهما فعل،وأن ما كُتب عليه سيحصل له مهما احترص واحتاط، كما قال تعالى: {قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ}.
ضغوط كثيرة
أما د. حصة الوايلي - مديرة عام التوعية الإسلامية بوزارة التربية والتعليم، فتقول: ضغوط الحياة كثيرة، وهي جزء لا يكاد يتجزأ من حياة كل منّا، والضغوطات إما داخلية يستشعرها الإنسان من جراء الاحتقان النفسي الذي يحصل من كلمة جارحة، أو إهانة، أو إحساس بالضجر والفشل، أو أي موقف محرج يترك أثره السلبي على النفس فيكدر صفاءها، وإما خارجية كضغوط الحياة المعيشية وتحسينها، والعلاقات الاجتماعية، وضغوط العمل وغيره، بمعنى أن هناك ضغوطاً داخلية وهي: (الضغوط الناتجة عن سمات الإنسان الشخصية)، وضغوطاً خارجية نتاج عوامل خارجية، وأيضاً يمكن تقسيمها بحسب استجابة الإنسان لها إلى ضغوط بناءة (تدفع لمزيد من العمل والإنجاز)، وضغوط هدامة ومعوقة.
وللضغوط آثارها الجسدية والنفسية التي تؤثر على كافة أجهزة الجسم، وتنعكس على التكيف النفسي، ولما كان الإنسان يعيش في بيئة اجتماعية واحدة تمثل المجال السلوكي الذي يتفاعل معه مؤثراً ومتأثراً فإنه ينشأ عنها مجموعة من السلوكيات والأحاسيس والتصورات ويحدث الاحتكاك واختلاف وجهات النظر وتكثر الانفعالات ويزيد الغضب، وقد قال الجرجاني في تعريفه أن: (الغضب تغيير يحصل عند فوران دم القلب ليحصل عنه التشفي في الصدر)، وقد قال ابن القيم - رحمه الله -: «دخل الناس النار من ثلاثة أبواب: باب شبهة أورثت شكاً في دين الله، وباب شهوة أورثت تقديم الهوى على طاعته ومرضاته، وباب غضب أورث العدوان على خلقه» فعندما ينفعل الإنسان ويغضب تحصل في جسمه تغيرات فسيولوجية أهمها إفراز هرمون الأدرينالين وهذا يؤثر على ضربات القلب واضطراباته وتسارعه واضطراب استهلاك الأوكسجين وارتفاع ضغط الدم، هذه الأعراض تزداد حدة عندما يكون الإنسان واقفاً لأن عضلات جسمه تكون مشدودة، وإذا ما غضب فجلس أو اضطجع فإن نسبة هذا الهرمون تنخفض، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا غصب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإذا ذهب عنه الغضب، وإلا فليضطجع) رواه أحمد.
وقد عني الإسلام بالشخصية المسلمة وأهتم بتوازنها، وخير ذلك ما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية، لذا فقد اهتم بسلامة الإنسان وأعطاه الأسلوب الناجح لعلاج الانفعال، منها:
1. الوضوء، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من النار وإنما تطفئ النار بالماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ».
2. الصلاة، لأنها إذا أديت بسكينة وخشوع تكون سبباً في الاطمئنان النفسي ويقل انفعال الإنسان للأحداث التي تعترضه في حياته اليومية، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا حز به أمر فزع إلى الصلاة وقد قال صلى الله عليه وسلم: أرحنا يا بلال بالصلاة.
3. العفو والمغفرة، قال تعالى: {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ}.
4. الدفع بالتي هي أحسن: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}. فهنا عالج القرآن الكريم بتحويل المشاعر السلبية إلى المشاعر الإيجابية وحول العداوة إلى ود وصداقة.
5. الحلم والأناة، وهو ضبط النفس عن ثورة الغضب للأشج بن عبدالقيس، يقول صلى الله عليه وسلم: (إن فيك خصلتان يحبهما الله ورسوله الحلم والأناة).
6. كظم الغيظ {الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}، فقد تضمنت هذه الآية ثلاث صفات للمؤمنين تجعلهم في منزلة المتقين وهي الإنفاق، وكظم الغيظ والتسامح.
7. الاستغفار والتوبة، قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}.
8. الصبر، قال تعالى: {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}، وقد ضرب الله مثلاً في ذلك بنبّيه يوسف - عليه السلام - في موقفه الرائع عندما صبر على أذى إخوته، قال تعالى: {إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}.
9. الدعاء قال تعالى: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ}.
10. ذكر الله تعالى به تطمئن القلوب، وتهدأ النفس، وبما أن النفس تنقسم إلى ثلاثة أقسام: نفس لوامة، ونفس أمارة بالسوء، ونفس مطمئنة، فالنفس المطمئنة اطمأنت إلى قدر الله لها، واطمأنت في بسط الرزق وقبضه وفي المنع والعطاء، وتمسكت بالحق وسارت عليه على هدى ونبراس لها في شؤون الحياة كما قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}.
فلسفة التشريع
ويقول د. محمود محمد المختار الشنقيطي - الداعية بمركز الدعوة والإرشاد بمكة المكرمة: الانفعالات من أهم أدوات التمتع بالحياة، ومن ضبطها حقّقَ غاياته، ونجح في علاقاته يمكن تبسيط وتقريب تعريف الانفعالات بأنها: شحنة نفسية، كالفرح والحزن، والغضب والرضا، والقهر والعجب، والبكاء.. الخ، ومثلها مثل الكهرباء في كيفية تكوينها وتحويلها واستخدامها وضبطها بمفتاح للضوء أو التكييف أو غيره، فهي طاقة داخلية تؤثر على علاقتك بالآخرين؛ تعميرا أو تدميراً، سلباً أو إيجاباً، كسباً أو خسارة في تحقيق أهدافك وآمالك أو إعاقتك عن ذلك، وخلاصة فلسفة التشريع الإسلامي الرباني في الانفعالات، أنه وجّهها ووظّفها لتكون طاقة بناء وتنمية واستصلاح للمسلم.
أولاً: قبل وقوع الانفعال بتشريعات وقائية سامية منها:
1- عقيدة الإيمان بالقضاء والقدر أعظم مولد - إن صح التعبير - وموجه وضابط للانفعالات (فإن أصابك شيء، فلا تقل لو أني فعلت كذا وكذا، ولكن قل قدّر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان).
2- التصنّع والتدرج مع النفس في تعويدها على ضبط الانفعالات، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما العلم بالتَّعَلم والحلم بالتَّحلم ومن يتَحَرّ الخير يعْطَه، ومن يَتَوق الشَّر يُوقَه).
3- تحريم ما يؤدي إلى اختلال الانفعال مثل: في المعاملات حرمة بيع المسلم على بيع أخيه، وفي العبادات تخطى الرقاب يوم الجمعة والمرور بين يدي المصلي.. الخ.
4- تحريم التحاسد والتقاطع والتدابر بين المسلم وأخيه.
5- الندب إلى الخلق الحسن، وترتب عظيم الأجر عليه، وأنه ثقيل في الميزان.
ثانياً: بعد وقوع الانفعال، جاءت تشريعات علاجية كثيرة، منها:
1- استحضار الأجر والثواب على ضبط الانفعالات مثل: كظم الغيظ، وكف البكاء الذي يؤدي إلى التسخط عند المصيبة، والفرح والعجب والحزن الذي يُقعد عن العمل والعبادة وعمارة الكون، وشاهد كل ذلك قضية الخنساء الشاعرة المشهورة، التي ملأت دواوين العرب بشعرها وبكائها على أمواتها تسخطا ونياحة، وبعد الإسلام حين استشهد أبناؤها الأربعة في الإسلام قالت رضا بمقام الإيمان بالقضاء والقدر: الحمد لله الذي شرفني بقتلهم. وكذلك قصة أم طلحة مع زوجها، حين مات ابنه في غيابه.
2- تقسيم الانفعالات حسب الجبلة البشرية فما كان من الانفعالات خارجا عن إرادة الإنسان واقتضته الجبلة البشرية فلا يؤاخذ عليه وفي الحديث المتفق عليه: (إن الله لا يعذّب بدمع العين، ولا بحزن القلب ولكن يُعذب بهذا - وأشار إلى لسانه - أو يرحم) ومن الانفعالات ما هو عبادة، (ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة له، ولا خادماً قط، ولا ضرب بيده شيئا قط، إلا في سبيل الله، أو تنتهك حرمات الله، فينتقم لله).
3- سنّ بعض الإجراءات لكسر صورة الانفعال، وحدته، وتفريغ الشحنة - كما يقولون - مثل الوضوء عند الغضب، والجلوس والصلاة عند الحزن وإذا حزبه شيء، والصدقة على المظلوم والكفارات.. الخ.
الدعاء والتضرع
ويؤكد د. خالد بن إبراهيم الرومي - الأستاذ المشارك بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية: إن الإنسان لابد في هذه الحياة أن يمر بالسراء والضراء والعافية والبلاء والعسر واليسر {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} ويمر الإنسان مسلماً كان أو كافراً بمنغصات في نفسه أو أهله أو ولده أو ماله أو غير ذلك كما قال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ}، أي علاء ومع ذلك كله فالمسلم يختلف تماماً عن غيره، في الحديث (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً).
ولعل سائل يسأل ما الذي يعيننا على ملاقاة هذه الأعباء، فأقول، أولاً: لنعلم أن أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الذين يلونهم فكم لاقى النبي صلى الله عليه وسلم من المحن في نفسه وأهله وأصحابه ودينه فليكن قدوتنا.
ثانياً: يستحضر المؤمن ما أعد الله من الأجر والثواب على مايصيبه.
ثالثاً: اللجوء إلى الله تعالى بالصلاة «أرحنا بالصلاة يا بلال»، و{وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ}.
رابعاً: كثرة الدعاء والتضرع {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ}.
خامساً: الإحسان للآخرين والصدقات فالصدقة تدفع البلاء وتكشف الكربة.
سادساً: أن يعلم أن هناك كثيرين أشد منه مصاباً وأعظم بلاءً.
سابعاً: كثرة الاستغفار والتوبة، في الحديث (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً).
ثامناً: دعوة ذي النون (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)، قال صلى الله عليه وسلم «ما دعا بها مكروب إلا فرج الله كربته».