الجزيرة - تركي ابراهيم الماضي :
نظم مركز حمد الجاسر الثقافي صباح أمس الخميس محاضرة عن وزير الإعلام الأسبق د. محمد عبده يماني -رحمه الله- ألقاها معالي وزير الإعلام والثقافة د. عبدالعزيز بن محيي الدين خوجة في منتدى الخميسية، وأدارها الزميل رئيس التحرير الأستاذ خالد بن حمد المالك، وحضرها نخبة من الوسط الثقافي والأكاديمي ومحبي الفقيد.
صاحب مواقف إنسانية
تحدث في البداية الزميل الأستاذ خالد المالك عن علاقته بالفقيد د. محمد عبده يماني -رحمه الله- واستعاد فيها ذكريات جميلة، كما ربطها أيضاً بمعالي المحاضر د. خوجة الذي كان حينها وكيلاً لوزارة الإعلام وقال: ربطتني بالدكتور محمد عبده يماني، كما ربطت مضيف ندوتكم الدكتور عبد العزيز خوجة، وكما ربطتكم جميعاً علاقات محبة وصلات وفاء، فقد كان الفقيد رجلاً اجتماعياً بامتياز، وصاحب مواقف إنسانية خالدة، وعَبْر مسؤولياته أستاذاً ومديراً بالجامعة ووكيلاً للوزارة ووزيراً في الوزارة كان يتصرف ويمارس مسؤوليات الوظيفة بشكل جسّر هذه العلاقات لتبقى لصيقة باسمه حياً وميتاً.
رأسني في وزارة الإعلام، أثناء رئاستي الأولى لتحرير صحيفة الجزيرة، وكنت أسبق منه في دخول بوابة الإعلام، لكنه كان أسبق مني في مغادرتها، وخلال فترة عمله بالوزارة أضاف وجدد وطور وابتكر الكثير مما ينسجم ويتناغم مع متطلبات مرحلته السياسية والاجتماعية والاقتصادية إعلامياً على النحو الذي لا يمكن أن ينسى له.
ولأنه كان كاتباً ومثقفاً قبل أن يدلف بوابة الوزارة، فقد كانت من أولويات اهتمامه إطلاق حرية الكلمة وخلق بيئة صحية لها، وتشجيع وتحفيز الكتاب ووسائل الإعلام عليها، والحرص على حماية فضاءاتها الجميلة من أن يصيبها التلوث، أو أن يعتريها المرض فضلاً عن أن يمسها ما يقوض هذا الاهتمام الكبير بها.
كان الدكتور عبد العزيز خوجة ضمن من استعان بهم للعمل معه وإلى جانبه بالوزارة منذ الأيام الأولى لتسلمه حقيبة وزارة الإعلام، وكيلاً للشؤون الإعلامية، ما يعني أن الدكتور الخوجة كان حلقة التواصل بين رؤساء التحرير ووزير الإعلام في مرحلة دقيقة من التطورات والمستجدات التي كانت تشهدها المنطقة، إثر استشهاد الملك فيصل بن عبد العزيز وتشكيل الوزارة التي أطلق عليها آنذاك وزارة الدكاترة وكان من بين أعضائها الفقيد الدكتور محمد عبده يماني.
في الأيام الأولى من مباشرة الدكتور عبد العزيز خوجة لوزارة الثقافة والإعلام، اتصل بي الدكتور - الفقيد - محمد عبده يماني - يذكرني بالسنوات التي جمعتنا فيها أروقة وزارة الإعلام آنذاك، هو بوصفه الوزير، والدكتور عبدالعزيز خوجة الوكيل للشؤون الإعلامية، وأنا أيام رئاستي لتحرير صحيفة الجزيرة في فترتي الأولى، مهنئاً باختيار الخوجة وزيراً للثقافة والإعلام، ومؤملاً أن يجد الجميع فيه ما عهدوه منه أثناء عمله بالوزارة وكيلاً فيها، ومؤكداً - ضمن توقعاته - على أن الوزارة سوف تشهد المزيد من التطور في عهد الدكتور عبد العزيز الخوجة، ولابد أنه اتصل بزملاء آخرين من رؤساء التحرير كما اتصل بي، يهنئهم بعودة الدكتور الخوجة إلى الوزارة بمسؤوليات وصلاحيات أكثر مما كانت بين يديه في فترته الأولى.
واليوم إذ يستضيف هذا المنتدى وزير الثقافة والإعلام ليتحدث عن زميله وصديقه ورفيق دربه بالوزارة والجامعة وعلى المستوى الشخصي، فإن هذا ضمن ما يحسب لضحوية الشيخ حمد الجاسر التي حرصت على أن تعطي للفقيد شيئاً من حقه علينا، وأن تختار للحديث عنه أقرب الناس معرفة وصلة به، وهو دأب هذا المنتدى الذي يحضره في مثل هذا الضحى من يوم كل خميس نخبة من المفكرين والمثقفين ليشاركوا بأسئلتهم ومداخلاتهم ضمن ما يمكن أن يقال عن الموضوع الذي يكون مرشحاً للحديث وتسليط الأضواء عليه.
فاتني أن أقول لكم إن محمد عبده يماني لم يغب عن أنظار مجتمعه، ولم يتوارَ عن أنظار الناس بانتهاء علاقته بالوظيفة الحكومية، فقد بقي قلباً نقياً ينبض بخدمة الناس وتلمس احتياجاتهم، وعقلاً يفكر دائماً بما يمكن أن يقدمه من أعمال إنسانية واجتماعية لخدمة وطنه وإخوانه المواطنين، وظل صديقاً للكتاب قارئاً ومؤلفاً، وصوتاً حاضراً بقوة في المنتديات ومنابر الرأي بالكلمة الجميلة التي تتميز بالصدق والموضوعية والهدوء.
أقدم لكم معالي الدكتور عبد العزيز خوجة ليحدثنا عن بعض ما يعرفه عن رجل أعطى لوطنه وإخوانه المواطنين ما أعطى، وأنا على يقين بأن ما سنسمعه من مضيفنا ربما لا يسمح الوقت له بأن يتناول عن الفقيد كل شيء، لكنه سيفتح الطريق لنسمع منكم في حدود ما سيتبقى من الوقت ما تعرفونه عن مسيرة رجل كبير رحل بعد أن ترك أفضل وأحسن الانطباعات على مدى سنوات من التميز أمضاها في حياته.
ثم بدأ معالي د. خوجة حديثه عن الفقيد د. يماني -رحمه الله-:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا وحبيبنا سيدنا محمد، وعلى آله الطاهرين، وصحابته الغر الميامين.
أصحاب المعالي والسعادة
الإخوة الأعزاء
أخي الأجلّ المهندس معن بن حمد الجاسر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فليس من قيمة تفوق الوفاء، وليس من خلق كالمعروف، مأثرتين عظيمتين نعتز بهما، ونحن نجتمع من أجل الحديث عن رجل كان من أخص خصائصه الوفاء والمعروف، الوفاء لوطنه ولشيوخه ولأصدقائه، والمعروف لمن يعرف ولمن لا يعرف، وذلك الرجل هو معالي أخي الحبيب الدكتور محمد عبده يماني الذي اختاره الله -تبارك وتعالى- إلى جواره، بعد حياة حافلة بالمهمات العظيمة لوطنه وأمته.
وها أنا ذا في منتدى الخميسية التي تشرف بحمل اسم رمز من رموز الثقافة العربية في عصرها الحديث وهو العلم العلامة الشيخ حمد الجاسر -رحمه الله تعالى- وكان في علمه ومؤلفاته ومركزه الثقافي وأبنائه البررة مصداقاً للحديث الشريف: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له»، فشكراً للقائمين على «خميسية الجاسر» شكراً على هذا الوفاء.
الإخوة الأعزاء
ليس من اليسير لمن عرف أخي الدكتور محمد عبد يماني معرفتي به أن يتحدث عنه في ساعة أو بعض ساعة، فأنا ما أزال ألَمْلِمُ نفسي متذرعاً بالصبر الجميل في أخ وصديق وزميل كنت آنس به، وأقصده في الملمات والنوازل فأجد فيه الناصح المشفق، والرجل الحكيم، ولكم سبقتْ يدي إلى سماعة الهاتف كي أتحدث إليه ثم لا ألبث أن أثوب إلى نفسي، فالرجل في رحاب الله، وما ذلك إلا لأني وإياه كما قال متمم بن نويرة في أخيه مالك:
وكنا كنَدْمانَي جَذيمةَ حقبةً
من الدّهْر حتى قيلَ لن نتصدَّعا
وعِشنا بخيرٍ في الحياةِ وقبلَنا
أصابَ المَنايا رهْطَ كِسْرى وتُبَّعا
فلَمَّا تفرَّقنا كأنّي ومالكاً
لطولِ اجتماعٍ لم نبِتْ ليلةً معا
وسبحان الله.. ما أعزّ الصبر وأعظمه فهو ترياق النفوس المؤمنة المطمئنة، فرحمك الله أبا ياسر وجمعنا بك في مستقر رحمته:
تقولُ أراهُ بَعْدَ «عُرْوةَ» لاهِياً
وذلك رُزْءٌ لو عَلمْتِ جَليلُ
فلا تحسبي أني تناسيتُ عهدَهُ
ولكنّ صبري يا أميمَ جميلُ
الإخوة الأعزاء
إن الحديث عن رجلٍ بقدر معالي الدكتور محمد عبده يماني ليس بالحديث اليسير، وذلك أنه عاش حياة عريضة، وكانت حياته لوطنه وللعمل العام وللناس الذين عمل من أجلهم، وحياته كتاب مفتوح يقرؤه كل الناس، وكأنه لمعرفتهم به له قصة مع كل امرئ منهم.
أما أنا فقد جمعني به عمرٌ وصداقة وصهر، وكان في كل أدوار حياته أخاً ناصحاً، ومستشاراً مؤتمناً، وزميلاً عظيماً.
عرفتُه في مكة المكرمة، بلدتي وبلدته، فأخذ من أم القرى أخص خصائص أهلها: المروءة والشهامة وخفة الظل، ويكادُ يجمع من التقى به أن يعرفوا فيه هذه السمات، فلقد كان في كل أطواره متمثلاً لتلك القيم الرفيعة التي جُبل عليها المجتمع المكي، وفاضت عليه تلك القيم بسمة التواضع ولين الجانب وحب الفقراء والمستضعفين، ولم تُغوِه، يوماً ما، وظيفة كبرى بلغها، ولا درجة رفيعة حازها، وكنت تراه يهش، في مجتمع القوم، للكبير والصغير، ويحدب على الفقراء والمستضعفين، ويأنس المحيطون به بقدرته على إذابة الفوارق بألوان من الكلام العذب المشفوع بالعبارات المكية التي ألفها أبناء مكة المكرمة في حاراتها وشعابها، وكأنَّ لسان حاله دوماً: أنا واحدٌ من هؤلاء!
وأستطيع القول: إن الدكتور محمد عبده يماني خلاصة فريدة للشخصية الاجتماعية المكية، فهو، وإن تخصص في عُلُوم الأرض، يوم آثر التخصص العلمي، فإنه مثال للحياة العلمية المكية، تلميذاً في الكُتّاب، تراه متأبطاً لوحَهُ قاصداً الكتاب لكي يحفظ سوراً من القرآن الكريم، ويتعلم القراءة والكتابة والحساب، وما إن يعود إلى بيته حتى ينصرف إلى شؤون أبناء الحارة، حيث الشغب اللذيذ، والحياة العابثة التي يأنس لها الأطفال آنذاك، من غير خروج على جليل الخُلُق وعظيمه، ثم ما هي إلا سنة أو بعض سنة حتى عرف طريقه إلى حلقات العلم في المسجد الحرام، يتلقى ألوان العلوم على شيوخ أجلاء في الدين واللغة، ولعل الكثير ممن عرف الدكتور محمد عبده يماني يعجب للغته العالية، وبيانه الآسر، وذاكرته الملأى بالشعر والحكمة، وما كان له ذلك لولا أولئك الشيوخ العظام الذين حببوا له ولزملائه جليل القول، فوعى قدراً عظيماً من الشعر والحكمة.عرفت أخي أبا ياسر في مكة المكرمة، ثم اجتمعت به كثيراً في أثناء دراستي الجامعية بالرياض، وكان وقتها معيداً على طلاب كلية العلوم، وكنت، آنذاك، في سنتي الجامعية الثانية، ولكم كانت السعادة حين التقيت به في الرياض، تجمعني به الصداقة والاحترام، ولقد حباه الله -تبارك وتعالى- بصفات فريدة، أبرزها أنه كان عالماً محباً للعلم الحديث، مطلعاً على بحوثه الجديدة واكتشافاته، وكان محل إكبار أساتذته في جامعة الرياض آنذاك.ومع حبه للعلوم كان مثقفاً ثقافة عربية وإسلامية فريدة، وهو من الجيل الذي لم يكن ليجد غرابة في أن يجمع تليد العلم وحديثه، وكان أساتذته وزملاؤه وطلابُه ينبهرون بذلك الشاب الذي يتحدث في العلوم الخالصة، ثم لا يلبث أن يُضَمِّن كلامه بطُرف من معرفته بالعلوم العربية والإسلامية، دون أن يفوّت على نفسه وعلى الآخرين سوقَ نكتبة بلدية خالصة، وهو، في كل ذلك، أنموذج فريد للإنسان البسيط الذي يمتلئ قلبه حباً للناس.
ولكم -أيها الأصدقاء- أن تتذكروا أن كلامي هذا يعود إلى ما يزيد على نصف قرن من الزمان، ولكم أن تعلموا أن جامعة الرياض، وقتذاك، لم تكن تضم إلا مجموعة يسيرة من الطلاب، فما بالكم أن يُختار أحدهم ليصبح معيداً في تلك الجامعة، في مجتمع لم يألف صورة الأستاذ الجامعي، فما زاد فقيدنا الغالي ذلك إلا تواضعاً ولين جانب، فكنت تراه يتحدث إلى طلابه القادمين من كل مناطق المملكة، يخفف عنهم روعهم، ويطمئن عليهم، ويسأل عنهم، ويلاطف صغار الموظفين من المراسلين والفراشين ويحنو عليهم، في أخلاق نادرة قوامها روح الإسلام وثقافة هذه الأرض الطيبة.وأخي الدكتور محمد عبده يماني بار بأبيه، ويعرف له أصدقاؤه في مكة المكرمة هذا البر بأبيه، وكان قدوة للكثير من الشباب، ولم تكن مشاغله في إدارة الجامعة، ولا في وزارة الإعلام لتمنعه من السؤال عن والده، وكان يبَدّيه على كل أموره.
وفي رحاب جامعة الملك عبدالعزيز، وقد كان مديراً لها، استطاع فقيدنا الغالي أن يخطو بالجامعة خطوات واسعة نحو العمل الأكاديمي الجاد، والتوسع في الكليات، وأذكر في أثناء عملي معه عميداً لكلية التربية بمكة المكرمة -أنه كان دائم السؤال عن أحوال الطلاب والطالبات والأساتذة، في صلة مباركة ألقت بظلالها على المكان ومن فيه، ولطالما جمعتنا حوارات وحوارات عن مستقبل التعليم في بلادنا، وأثمر سعيه ولفيف من أبناء مكة المكرمة إلى تأسيس جامعة أم القرى، وأتاحت له علاقته الفريدة بالملك خالد بن عبدالعزيز -رحمه الله-، وقد كان المليك يحبه ويرعاه، بالتمهيد لذلك.
أما وزارة الإعلام فيعرف من عمل معه، وأنا واحد منهم أنه كان صوتاً مختلفاً، فمعالي الدكتور محمد عبده يماني -رحمه الله- إداري من الطراز الرفيع، يتمتع برؤية إعلامية واسعة، وساعدته معرفته العميقة بطبيعة مجتمعنا على تكييف وزارة الإعلام مع إيقاع العصر، وأفادته صلته بالساحة الثقافية والصحفية على معرفة أكثر بهموم زملائه من الكتاب والمثقفين والصحفيين، وذلل كثيراً من العوائق البيروقراطية التي تحول دون نشر الكتاب، وخفف من سطوة الرقابة على الكتب والمصنفات الفنية والإعلامية، وحدثت في عهده طفرة في حركة نشر الكتاب المحلي، وما كان ذلك ليحدث لولا أنه محيط بحركة المجتمع الثقافي في بلادنا، وكان جانب الطُرفة فيه يحول الانتقاد الموجه إلى وزارة الإعلام إلى محل للنكتة والتندر، وأذكر أنه كان يضحك كثيراً إذا ما سمع أحداً يسمي القناتين الأولى والثانية، آنذاك: ب(غصب واحد) و(غصب اثنين)!.
ومعالي الدكتور محمد عبده يماني وجه ثقافي وأدبي أصيل في الأدب والثقافة، منذ شبابه الباكر، وهو حين اختار العلوم تخصصاً أكاديمياً له كان قد استكمل طرفاً صالحاً من الثقافة، وكان قد أصابته حرفة الأدب، فعرفته صحف تلك الفترة كاتباً وقاصاً من ألمع القصاصين والكتاب، ورفده في ذلك نهمه للعلم والثقافة والمعرفة، فكان سبيله في ذلك زياراته الدائمة لمكتبة الحرم، ومكتبة المولد الشريف، والمكتبات المحيطة بباب السلام، أحد أبواب الحرم الشريف، فنشط للقراءة العميقة، والتف حول الأدباء الرواد، وتأثر بهم وقرأ إنتاجهم الأدبي، واطلع على أخص خصوصياتهم، وكان له من ذلك ثقافة قبسها من الكتب، وعرفها في أشخاصها ورموزها، وقد كان قريباً منهم.
وكان الدكتور محمد عبده يماني وفياً لشيوخه وأساتذته، وكان باراً بأستاذه وأستاذ جيل من أبناء الوطن الأستاذ السيد إسحاق عزوز، رجل التربية الكبير، والرمز الفلاحي العظيم- نسبة إلى مدرسة الفلاح -يسأل عنه ويزوره إلى أن توفاه الله، وكان يجلس من أستاذه وهو الوزير والمسؤول الكبير مجلس التلميذ، في أخلاق ما أحوج أبناءنا اليوم إليها، ففيها أدب الدرس، وأدب الحياة، وكذلك شأنه مع شيخ النقاد الأستاذ الكبير عبدالله عبدالجبار -مد الله في عمره- فهو دائم السؤال عنه، ينتهز المناسبة تلو المناسبة لكي يزوره ويسأل عنه، في أدب جم عظيم.
وكذلك شأنه مع أصدقائه وما أكثرهم، ولا سيما رفقاء الصبا والشباب، ولطالما صحبته لكي نزور الصديق الوجيه السيد أمين عطاس في جماعة من الأصفياء الأنقياء، وحيث نلتقي فليس إلا الكلمة الطيبة، وليس ثمة إلا المروءة، وليس ثمة إلا النكتة والطرفة.
الإخوة الأعزاء
ليس من شأن هذه الكلمة أن تحيط بحياة الدكتور محمد عبده يماني في العمل العام، في وزارة المعارف، وفي الجامعة مديراً لجامعة الملك عبدالعزيز، وفي وزارة الإعلام، وزيراً، فحياته فيها ضرب من الإبداع والإنجاز والتميز، وهي حياة يعرفها من اقترب من هذا الرجل وعرف أسلوبه في التناول والمعالجة والإدارة، وأحسب أننا، ونحن في منتدى ثقافي، في حاجة إلى أن نعرف الدكتور محمد عبده يماني الأديب والمثقف والمفكر الإسلامي المستنير والداعية، وهي صفات لا أدعي الإحاطة بها في تفاصيلها، فهي في حاجة إلى دارس يستقصيها في أصولها حتى يرسم لنا صورة لأدبه وفكره.
قلت: إن الدكتور محمد عبده يماني عرف قاصاً، فقد كان مولعاً بالقصة، ومن يرجع إلى صحافة الأفراد يقف على القصص القصيرة التي كان ينشرها في صحافة تلك الفترة، ويستطيع أن يرصدها ويتتبعها، وكان من غرامه بالقصة والرواية أن أخرج «اليد السفلى» و»فتاة من حائل»، وهما عملان لقيا عناية طيبة من النقاد والدارسين، ولكن نفسه التي لا تحدها حدود الأجناس الأدبية خرجت به إلى آفاق أخرى في العمل الفكري والإسلامي، فهو كاتب مهموم بهموم أمته ينافح عنها، ويقرب معالم حضارتها في أعلامها إلى قرائه، ورائده في ذلك عقل جبل على التسامح ونبذ الفرقة، فكانت مؤلفاته الرائعة التي أحبها قراؤه، وما أحوجنا اليوم إليها: «علموا أولادكم محبة النبي صلى الله عليه وسلم»، و»علموا أولادكم محبة آل البيت»، و»خديجة بنت خويلد»، و»إنها فاطمة الزهراء»، ودفاعه عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، رضي الله عنهم وأرضاهم، في «إنهم أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم»، ومؤلفاته عن الإسلام والدعوة في إفريقيا، وهذا باب فريد في مسيرته -رحمه الله- يستحق الدرس والبحث، فله فيه صولات وجولات.
والدكتور محمد عبده يماني -رحمه الله- أديب متمكن، استكمل أدوات الأديب، روحاً وخيالاً وأداة، وكان بإمكانه -رحمه الله- لو تفرغ للأدب والقصة والرواية، أن يحقق إنجازاً واسعاً في هذين الفنين، ولكنه آثر التضحية بموهبته إيماناً برسالته في بحث روح التسامح والوسطية في المجتمع، وأذكر أنني سألته: ألم تحن إلى الرواية والقصة؟ فقال لي: لا تُثر مواجعي يا عبدالعزيز! فأنا أشتاق إلى السرد والحبكة والعقدة.. ولكنني مهموم بأمتي وأبناء أمتي!رحمك الله يا أبا ياسر! فلقد عرفت فيك الحب لهذه الأمة والسعي إلى النهوض بها.ومع ذلك.. غادر الدكتور محمد عبده يماني الأدب ولم يغادره، فهو خطيب مفوّه يسحر بخطابته وبلاغته العقول، وهو كاتب مقالي ممتاز، يعرف قيمة الكلمة وشرف العبارة وجرس الأحرف، ويعرف له مشاهدو قناة (اقرأ) ذلك، فهو المتحدث الذي يستطيع التأثير في القلوب، وما إطلالته العذبة في قناة (اقرأ) إلا ضرب من رسالته التنويوية التي أخذ نفسه بها، متحدثاً إلى الأمة في ألوان من القول المشفق المحب، وكان دائب الاهتمام بكل ما يلم بالأمة الإسلامية يشغله أمرها ومشكلاتها، ولعلكم تتذكرون مقالته التي نشرت يوم وفاته -رحمه الله تعالى- في جريدة الجزيرة عن مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- للم شمل ألوان الطيف السياسي في العراق.
المداخلات
- تحدث في أولى المداخلات د. أحمد الضبيب معدداً مآثر د. محمد عبده يماني -رحمه الله- ومثنياً على إنجازاته العلمية والعملية.
- واستفاض د. عبدالرحمن الشبيلي في التحدث عن جوانب من شخصية الفقيد وركز على جوانب مهمة في سيرته العملية وخصوصاً ما يتعلق بالفترة الزمنية التي كان فيها وزيراً للإعلام.
- وتحدث الأستاذ عبدالله الشهيل عن الجوانب الإنسانية في شخصية الفقيد د. يماني -رحمه الله- وأنه كان يحب مساعدة الناس.
- وأشار الأستاذ سعد البواردي في مداخلته إلى الجوانب الأدبية في شخصية د. يماني وإلى حضوره الأدبي عبر مؤلفات متميزة أثرى بها المكتبة.
- وتساءل د. منصور الحازمي عن أهمية تكريم المبدعين لأن هناك كثيراً من الأسماء التي أسهمت بجهودها ولم يُذكروا! ثم أثنى على مركز حمد الجاسر وعلى د. خوجة لتكريم د. محمد عبده يماني -رحمه الله- بإقامة هذه المحاضرة.
- أوضح معالي الدكتور سليمان السليم في مداخلته إلى علاقته بالفقيد الدكتور محمد عبده يماني وذكر بعضاً من مآثره - رحمه الله - واهتمامه بقضاء حوائج الناس.
- وتحدث الدكتور عائض الردادي عن جوانب مضيئة في مسيرة الدكتور يماني - رحمه الله - العملية وخاصة عندما كان وزيراً للإعلام وما قام به من إنجازات في العمل الإعلامي السعودي.
- وقدم الأستاذ حمد القاضي مداخلة تناولت جوانب عدة في إنسانية الفقيد د. يماني - رحمه الله - كما تطرق إلى منجزاته في المجال العملي والعلمي.
- وتحدث د. إبراهيم الشتوي في مداخلته عن أن الفقيد - رحمه الله - من أنه كان يمثل رمزاً مهماً في الإعلام السعودي وأيضاً في المجال الأدبي، إضافة إلى بذله المعروف وإسهاماته الواضحة في المجتمع.
- وكان للقسم النسائي حضوره ومشاركاته الفاعلة في المحاضرة، حيث قدمت الدكتورة سعاد يماني مداخلة شكرت فيها القائمين على المركز على إقامة هذه المحاضرة، وأشادت أيضاً بمعالي المحاضر وكلمته الضافية وتطرقت أيضاً إلى سيرة الفقيد الدكتور محمد عبده يماني - رحمه الله - في حين أوضحت الدكتورة مي الجاسر الأدوار المهمة التي كان يتمثلها الراحل الدكتور محمد عبده يماني وحضوره المؤثر في المجتمع حتى بعد تركه لكرسي المسؤولية، وكانت هناك مداخلات أخرى من الأستاذ محمد الأسمري والأستاذ محمد القشعمي والدكتور عز الدين موسى وغيرهم كانت متميزة من حيث تعداد مناقب الفقيد الدكتور اليماني.