إن الإحساس أوجده الله سبحانه وتعالى في جميع الكائنات الحية كالإحساس بالجوع أو العطش أو التفاؤل أو الميول لشيء أو الفرح أو الخوف أو الأمن أو المواطنة أو الحب أو الكره أو التعالي، فكلمة الإحساس لا يمكن حصر مدلولاتها الإيجابية أو السلبية. والإحساس ليس مقصوراً على الإنسان، بل يشترك فيه جميع المخلوقات الحية. فهو شعور داخلي يحرك الكائن الحي فينتج عنه سلوك وتصرفات تدل على وجود هذا الإحساس من عدمه ولست بصدد التعرف على الإحساس الموجود في غير الإنسان من الكائنات ولا إحساس الإنسان لحاجته للهواء والماء والغذاء بل المقصود التعرف على الإحساس السلوكي للإنسان في بيئته ومجتمعه، هل هو فطري موجود في الإنسان أو هو معدوم يمكن اكتسابه. إننا كثيراً ما نسمع كلمة (ما عندك إحساس) عندما يعاتب شخص آخر قد بدر منه سوء تصرف في سلوكه تجاه الآخرين غير مرغوب، فالإحساس شعور كامن خفي تظهره المواقف ومنها نحكم على هذا الشخص أن لديه إحساسا من عدمه من سلوكه وتصرفاته، فهو يحاول ألا يعمل إلا الصح في جميع شؤون حياته سواء مع أسرته أو أقربائه أو رفاقه وأصدقائه، لديه إحساس يمنعه من إيذاء الآخرين بالفعل أو بالقول، ويحترم ويراعي شعور الآخرين ومصالحهم. تسيئه التصرفات الخاطئة وتسعده التصرفات الحسنة. فنقول ليس عنده إحساس من يتهاون في أداء عمله أو من يقوم ويترك مخلفاته في أماكن عامة أو خاصة أو من ينظف سيارته ويرمي مخلفاته تحت أبوابها، ليس عنده إحساس من يوقف سيارته بشكل عرضي ويحرم الآخرين من الاستفادة من هذه المواقف، بل يصل به عدم الإحساس إلى الوقوف خلف السيارات ويسكر على أصحابه في كثير من المساجد أو الأسواق ولا يعنيه ما قد يحصل لصاحب هذه السيارة من ضرر لو تطلب الأمر سرعة تحركه لطارئ.
عديم الإحساس من أسرع أو تجاوز الإشارة وهدد إخوانه المسلمين بالموت أو الإعاقة، عديم الإحساس من أهمل أسرته وأولاده وقضى جل أوقاته يلهث وراء أعماله الخاصة، أو جلوسه معظم وقته مع رفاقه في الاستراحات، عديم الإحساس من يرزع الفتن والشقاق ويسعى إلى تصعيدها بين الأسر أو الأصدقاء أو الرفاق أو جماعات المساجد، عديم الإحساس من عق والديه أو أحدهما وقطع صلة الرحم بسبب خلافات أو مواقف حصلت، فمن لديه إحساس لا يعير لهذه المواقف أو الخلافات أي اهتمام ويخشى الله ويخافه ويتدبر قول الله تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ، أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ}. وقال تعالى: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى}.
وأين الإحساس في تدبر وتطبيق قوله تعالى في كتابه الكريم؟ فالدين ليس بالمظهر فقط، ليس بتقصير ثوب، أو ترك لحية أولبس قفاز وعدم حضور المناسبات الأسرية بحجة وجود بعض المخالفات. وترك ما هو أهم وأصلح وهو الإحساس بالآخرين وحب الخير لهم ومشاركتهم أفراحهم وأحزانهم وتحمل أخطائهم وهفواتهم واستغلال المناسبات بالنصح والتوجيه والإرشاد والدعوة إلى محاسن الأخلاق باللين والرفق والقدوة الحسنة.
أين الإحساس فيمن يحمل فكراً ضالاً ويقتل الأبرياء ويروع الآمنين ويكون معول هدم لمكتسبات وطنه؟.
إن الإحساس شعور راقي يمتلكه الإنسان صاحب القلب النقي والضمير الحي فيظهر في أدق أفعال وأقوال حياته كلها منظمة ومرتبة. إذا نهض من فراشه قام بترتيبه وإن خلع نعليه وضعها في مكانها الخاص وإن ذهب إلى المسجد تزين ولبس أحسن ثيابه. يهتم بنظافة جسده وملبسه ونظافة مركبه، مرتب في مكتبه، إنسان يحاول أن يكون كل شيء على وضعه الصحيح تجده يراعي الآخرين في أقواله وأفعاله ولا يتلفظ إلا بما يزين المجالس من قول، فيزن الكلمة قبل خروجها ويطرح رأيه ووجهة نظره بأسلوب لين شيق، يحترم وجهة نظر الآخر فلا يحاول تسفيه رأيه، لديه حس في حركاته وأفعاله فيبتعد عما يؤذي جليسه من حركات أو أصوات مقززة، فهل لديه إحساس من يكثر تنظيف أنفه في المجالس والمساجد وبالقرب من موائد الطعام وتصير لزمة وعادة سيئة، ومن يدخن في المجالس المغلقة وأماكن التجمعات ويشعل السيجارة في مركبته ومعه أسرته وأولاده، إن الإحساس ليس كالحواس تخص في الغالب الفرد نفسه، إنما الإحساس ينبع من المشاعر الصادقة تحمله القلوب والضمائر الحية الممتلئة بالإيمان وأنه مكرمة وفضل من الله يودعه في عباده فقد يكون إنسانا لم يصل إلى درجة من العلم ويفقده، وإنسانا وصل إلى أعلى درجات العلم فهو لا يخضع لمتعلم أو غير متعلم وهذا يدل إن الإحساس فطري مثله مثل الكرم والشجاعة وغير ذلك من الصفات التي تنمو وتظهر في أناس ويفتقده آخرون. إن من يمتنع عن سلوكيات خاطئة نتيجة ردع نظام أو خوف مراقب أو إيقاع غرامة مالية لبعض الخالفات. إن الإحساس الناتج عن ذلك وغيره ليس إحساسا صادقا، بل هو مكتسب ظهر نتيجة موقف أو مواقف يتعرض لها في حياته أو استجابة لأنظمة وقوانين، إن هذا النوع من الإحساس وقتي سرعان ما ينعدم أو يضعف عند زوال المسبب لظهوره. وأخيراً إن الإحساس واسمحوا لي بتكراره إنه حقاً أحد نبضات القلب السليم وإشارة العقل الواعي لسلوكيات وتصرفات تزين الشخص وتمنحه وقاراً وحباً ومكانة وقبولاً. ولن يستطيع القلم أبداً إن يقف ولا المشاعر أن تنهي مدلولات ومعاني الإحساس. هذا ما استطعت أن أكتبه عن الإحساس حسب وجهة نظري، والذي آمله من الكتاب والإخوة القراء وخطباء الجوامع وأئمة المساجد والأساتذة المعلمين والآباء والأمهات أن يتعاهدوا هذه الفضيلة والصفة الحسنة في كل شرائح المجتمع وأن يحركوا الإحساس في مجتمع شغلته الماديات وظروف الحياة فضعف الإحساس أو انعدم عند البعض، ولقد خطر ببالي أن أكتب عن الإحساس لكثرة ما نشاهده من السلوكيات غير المرغوب فيها والتصرفات والمواقف التي تدل على فقدان شيء ألا وهو «الإحساس» فأين هو؟ أترى أنه فطري في الإنسان، ينمو مع نمو الإنسان فيحصل له خلل يعيق نموه فيكون ضعيفاً أو معدوماً أم أنه سلوك يمكن اكتسابه من البيئة المحيطة به والمجتمع الذي يعيش فيه. إنه سؤال يحتاج إلى إجابة..
اللهم اجعلنا ممن لديهم إحساس صادق يرقى في سلوكياتنا وتصرفاتنا وتعاملنا مع الآخرين. إحساساً يوقظ الضمائر الغافلة ويلين القلوب القاسية فيحولها إلى نبض حب وعفو وتسامح إحساس يجعل الإنسان حقاً إنسان، فيميزه عن باقي المخلوقات والله الموفق.
– عنيزة