أصبح للديمقراطية ثمن، والمقصود ليس الثمن الذي تقدمه الشعوب، بل ثمناً أو قُلْ إغراءً لدفع الأنظمة والشعب للأخذ بها.
الديمقراطية - حتى وإن حاول الكثيرون إخفاء حقيقة ذلك - هي إحدى القيم الغربية، وأوروبا التي هي الجسم الأكبر للغرب، والمكملة للجهد الأمريكي في ترويج هذه القيم ونشرها على أكبر رقعة من العالم، قدّمت إغراءً مادياً للدول التي تُطبّق الديمقراطية الغربية؛ فقد وعد الاتحاد الأوروبي (المنظمة الإقليمية المضافة لأوروبا الموحدة) بأن يقدم في المستقبل مزيداً من الأموال للدول التي تمضي قدماً على طريق الديمقراطية؛ إذ أعلن مفوض الاتحاد الأوروبي المسؤول عن ملف المساعدات بأنه جرى تغيير الطريقة التقليدية في توزيع المساعدات «فسنعطي أكثر لمن ينخرط أكثر في إجراء الإصلاحات الديمقراطية، وكلما كانت الإصلاحات الديمقراطية عميقة تكون الأموال أكثر». وكشف بأن المبلغ 1.242 مليار يورو مخصص لدول الجوار، إضافة إلى 5.7 مليار يورو ستُوزَّع بواقع: الثلث يذهب للدول المجاورة شرقاً، والثلثان يذهبان إلى جنوب المتوسط، وهي الدول العربية، إضافة إلى الكيان الإسرائيلي.
التشجيع على إجراء الإصلاحات الديمقراطية بتقديم مزيد من الأموال (أموال المساعدات وفتح ائتمانات بنكية وحتى فتح الأسواق) وسائل سبق أن استعملتها دول أوروبا الغربية لتشجيع أوروبا الشرقية حتى أصبحت الديمقراطية الوسيلة الناجعة لدمج أوروبا الشرقية بغربها، وهي تلجأ إلى هذه الطريقة المجرّبة لمعالجة أوضاع جنوب المتوسط الذي يُعَدّ دوله العُمْق الاستراتيجي لأمن أوروبا التي ستأمن كثيراً وتطمئن على أمنها إذا ما سادت الديمقراطية دول جنوب المتوسط، إلا أنها مع ذلك تغفل التأثيرات السلبية لبقاء القضية الفلسطينية دون حل عادل؛ إذ سيؤدي تأخر هذا الحل إلى تعثر الإصلاحات الديمقراطية وإلى وجود شعب مظلوم يربك عملية النماء الديمقراطي والإصلاحي في المنطقة (منطقة جنوب المتوسط). وبما أن بعض الأموال موجَّه للكيان الإسرائيلي فهل تُستغل تلك الأموال لجعل الإسرائيليين متعاونين في عملية صنع السلام؟