فقد الشعب الفلسطيني بوفاة القائد هاني سعيد الحسن «أبو طارق» عضو اللجنة المركزية السابق لحركة التحرير الوطني الفلسطيني «فتح» في العاصمة الأردنية عمان يوم الجمعة الماضي أحد رموزه الوطنية في مسيرته النضالية. وكان الحسن يوصف برجل المهمات الصعبة في حركة فتح، التي كان كاتماً لأهم أسرارها وعضواً فعالاً في رسم استراتيجياتها، واستطاع أن يشكل علاقة واسعة النطاق لمصلحة المنظمة مع الكثير من الرؤساء والملوك والزعماء العرب والأجانب، وكان مفاوضاً بارعاً ومتمرساً في إقناع محاوريه، وحتى خصومه وصفوه بـ «المفاوض الصعب». ويعتبر هاني الحسن من الرعيل الأول في الحركة والمؤسسين لها، حيث شكل خلية لحركة «فتح» في ألمانيا مع القائد هايل عبدالحميد «أبو الهول» في ستينات القرن الماضي حينما كان يدرس الهندسة هناك، وكان في الوقت ذاته رئيساً للاتحاد العام لطلبة فلسطين في ألمانيا، ومن أنشط الطلبة في الدفاع عن القضية الفلسطينية، وتفرغ في الحركة بعد حرب يونيو «حزيران» 1967م، وأصبح عضواً في اللجنة المركزية لفتح عام 1970م، ثم أصبح أول سفير فلسطيني في طهران، بعد الإطاحة بشاه إيران عام 1979 م، وفي عمان أوائل الثمانينات. وتولى منصب المفوض السياسي العام لـ «قوات العاصفة» الجناح العسكري لحركة فتح، ونائب مفوض الجهاز الأمني المركزي، ومفوض الأمن السياسي في الحركة، وعمل مستشاراً سياسياً واستراتيجياً للرئيس ياسر عرفات، ومفوضاً لدائرة العلاقات الخارجية في الحركة منذ تأسيسها وحتى عام 2003، تولى منصب وزير الداخلية في الحكومة الفلسطيني الخامسة من 29 / 10 / 2002 وحتى 19 / 36 / 2003 م ، وشغل منصب مفوض التعبئة والتنظيم في حركة فتح منذ عام 2002م قبل أن يعين مستشاراً للرئيس محمود عباس في عام 2007 م. و رغم أن هاني الحسن يعتبر ياسر عرفات رمزاً في أعماق الشعب الفلسطيني فلم يثر مسؤول هذا الكم من الخلافات مع عرفات كما أثارها الحسن. ورغم أن الحسن هو ركن من أركان حركة فتح الأساسيين من الناحية السياسية، وقد اعتمد عليه عرفات في العديد من توجهاته نظراً لما يتمتع به من ارتباطات خليجية وعربية واسعة، وبعد أن كان في عداد المنظرين للتسوية مع إسرائيل أصبح من أبرز المعارضين السياسيين لعملية مدريد واتفاق أوسلو. في نيسان (أبريل) 1987م وأثناء انعقاد الدورة الثامنة عشر ة للمجلس الفلسطيني في عمان قال هاني الحسن: (إن المعضلة التي تواجهها حركة (فح) الآن هي من النوع المصيري وأنه من دون الحصول على إنجاز سياسي ما فإن حال التآكل في الحركة الوطنية الفلسطينية ككل سوف تبدأ في إحداث تأثير ما، أما الشيء الثاني فهو أن (فتح) بدأت فعلياً في السحب من احتياطها المالي الإستراتيجي لتغطية العجز الذي تعاني منه المنظمة، وأن معظم الاستثمارات التي تقوم بها (فتح) على الصعيد الاقتصادي لا تحقق أية أرباح شأنها شأن القطاعات العامة الحكومية، باستثناء تلك التي يديرها ويشرف عليها (أبو عمار ) شخصياً). لقد بدا الحسن أكثر إدراكاً داخل الحلقة القيادية في فتح آنذاك لجوهر الأزمة، وهو الذي لعب دور المحرك المركزي على مدى السنوات الخمس الانتقالية بين مرحلة الصدمة بعد الخروج من بيروت وبين انطلاقة الانتفاضة كمرحلة جديدة، ومع ذلك فإن هذا الرجل العملي والبعيد عن الرؤى الحالمة، قاد أول معارضة في فتح تتصدى (للأخطاء القاتلة) المتمثلة في الموافقة على الاشتراك في المفاوضات على أساس قواعد مدريد وشروط بوش - بيكر. فعقب انعقاد مؤتمر مدريد للسلام عام 1991م، طرح الحسن مذكرة طويلة أمام المجلس الثوري لحركة فتح، تدعو للتوقف داخل الحركة من أجل دراسة وتقويم ظروف المشاركة التي استندت إلى تقويم (خاطئ) لنتائج حرب الخليج (ففي تلك اللحظة شاع في الأوساط الفلسطينية القيادية أنه لا يمكن إلا القبول بخطة الطرف الأمريكي المنتصر، وأنه في حال الرفض لا يوجد أي بديل آخر، لا بل من يرفض سيواجه مصير الخسارة الكاملة، وسيُنبذ ويُدمر وتفوته فرصة أي حل لفترة طويلة قد تمتد إلى عشرين عاماً). ويرى الحسن في مذكرته التي أطلق عليها (العودة إلى الينابيع) إن القيادة الفلسطينية أخطأت حين دخلت في عملية التسوية في ظل التوازن السياسي القائم واعتبرته سلبياً للغاية وبنت تحليلاتها استناداً إلى ذلك الخطأ، بالإضافة إلى خطأ التوقيت فقد ارتكب المفاوض الفلسطيني سلسلة متوالية من الأخطأ جعلته محكوماً سلفاً بنتائج جرى التسليم بها قبل أن تنطلق عملية التسوية، وجعلته عاجزاً عن تغيير مسار أي قضية أثناء سير العملية التفاوضية، لهذا ستكون نتائج المفاوضات كارثة على مستقبل القضية الفلسطينية وستكبل الشعب الفلسطيني وتجعله عاجزاً عن تطوير أي حل مرحلي نحو حل أفضل بينما سيتمتع العدو الإسرائيلي بوضع يجعله مسيطراً على العملية السياسية منذ بدايتها حتى نهايتها وتخوله نيل مكاسب لم يكن يحلم بها، ممهورة بالموافقة الفلسطينية عليه. ودعا الحسن في مذكرته إلى إقامة التحالف الفلسطيني العربي خاصة مع الدول العربية المعنية بالمفاوضات مباشرة مثل سوريا ولبنان ومصر والأردن والسعودية على أساس التحالف والتنسيق مع الدول العربية الأخرى، لأن العمل الفلسطيني -في رأي الحسن- لا يستطيع أن يحقق أهدافه بدون رافعة عربية أو بدون قوة عربية مساندة وأساسية. في حزيران (يونيو) 1993م كادت حركة فتح تتعرض لانشقاق جديد بسبب المواجهة بين عرفات والحسن على خلفية قضايا تنظيمية في الدرجة الأولى، ففي اجتماع اللجنة المركزية للحركة في تونس اتهم أبو عمار الحسن بأنه يقود حركة انشقاق داخل فتح، ومع تضامن أبي ماهر غنيم ومحمد جهاد وعباس زكي (أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح) مع الحسن في التصدي لرواية عرفات، قدم عرفات استقالته من رئاسة حركة فتح والتي عاد عنها في اليوم التالي ليتم تشكيل لجنة جديدة من بين أعضاء اللجنة المركزية هدفها رعاية الوحدة الوطنية، والبدء في حوار وطني مع باقي الفصائل الفلسطينية، وقد عين هاني الحسن رئيساً لهذه اللجنة. ورغم أن مآخذ عرفات الكبيرة على هاني الحسن هي علاقته الوثيقة مع حركة حماس -التي قيل بأن الحسن قد طلب من الحكومة القطرية أن تستقبل وفداً من حركة حماس- إلا أن الحسن يعتبر أن هذه النقطة في صالحه وليست ضده، فهو فخور بعلاقاته الجيدة مع جميع القوى السياسية الفلسطينية بدون استثناء عدا فصيل أبو نضال والمنشقين عن فتح (أبو موسى وجماعته) ويؤكد الحسن أن حركة حماس هي تنظيم وطني من صلب الشعب الفلسطيني. وبعد توقيع اتفاق المبادئ الفلسطيني - الإسرائيلي في واشنطن والمعروف باتفاق أوسلو في 13-9-1993م عارض هاني الحسن هذا الاتفاق بالإضافة لكل من فاروق القدومي وعباس زكي وصخر حبش ومحمد جهاد ومحمد غنيم، وقد ذهب إلى دمشق للالتقاء مع قادة الفصائل الفلسطينية المتواجدة فيها (للتشاور حول ما يجب فعله لمواجهة هذه المرحلة الصعبة التي نفاجأ فيها كل يوم باتفاقات جديدة تتضمن تنازلات لا مبرر لها). وقد التقى الحسن مع قادة الجبهة الشعبية والديمقراطية وحماس والجهاد الإسلامي واتفقوا على أنه لا يجوز إنشاء منظمة تحرير بديلة وأن المنظمة باقية ومن يريد حلها فإن عليه أن يخرج منها، واتفقوا كذلك على أنه لا يجوز بأي شكل من الأشكال الدخول في الاقتتال الفلسطيني - الفلسطيني لأنه لا يستفيد منه إلا العدو. وقد فشل الحسن في إقناع قادة الفصائل المعارضة بحضور اجتاعات المجلس المركزي وتشكيل جبهة داخل المجلس (مع من تلتقي أفكارهم مع أفكارنا سواء من داخل حركة فتح أو من المستقلين). وفي تفسيره لاتفاق أوسلو يقول الحسن: إن المشكلة التي تواجهها القيادة الفلسطينية تتمثل بأن هناك مجموعه تكتلت واتخذت قراراً يهدف للتوصل لاتفاق مع الإسرائيليين مهما كان الثمن، وأعضاء هذه المجموعة ذهبوا وأجروا اتفاقيات ثم وضعوا القيادات الفلسطينية والشعب الفلسطيني أمام الأمر الواقع الجديد ثم تساءلوا بعد ذلك بالقول: ما هو البديل؟ وبرأيي أن البديل دائماً هو السياسة الصحيحة، فنحن لسنا ضد مبدأ التسوية السياسية، ولكن هناك تسوية مهزومة وهناك تسوية متوازنة، فلماذا تفرض التسوية المهزومة على الشعب الفلسطيني تحت شعار (لم يكن بالإمكان أحسن مما كان). نحن ضد التفريط بأهم المقدسات ألا وهي الأرض، وغير مسموح بممارسة المنطق التجريبي عندما يكون مستقبل الأرض هو المطروح على المسرح. عند بدء المفاوضات المتعددة الأطراف عرض على هاني الحسن الإشراف عليها لكنه وضع شرطاً فحواه ألا تنعقد جلسات متعددة بيننا وبين إسرائيل في أي بلد عربي، بمعنى رفض التطبيع مع إسرائيل قبل الانسحاب الإسرائيلي الكامل. وقد رفض طلبه. ويؤكد الحسن أن المأزق السياسي الذي تعيشه السلطة الفلسطينية هو أن اتفاق أوسلو قد أخرج الفلسطينيين من السفينة العربية ثم ألقى بهم في المحيط المائج الهائج، فبدأ الفلسطيني الذكي والمجرب والقادر لا يعرف شيئاً إلا السباحة لينجو بغض النظر عما في ذهنه من أفكار، فجاءت مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية فالتقطته ووضعته في السفينة الأمريكية. وهاني الحسن مع التعريب في مواجهة (الأسرلة)، والتي تعني ترك العرب والاتجاه نحو إسرائيل، ويطالب بربط الفلسطينيين بالعرب بدل إسرائيل، ويعتقد أنه إذا وضع الفلسطينيون سياسة حازمة سيكون الزمن في مصلحتهم، وإذا أوقفوا مدرسة حائط المبكى ومدرسة العجز التي ترفع شعار (ما هو البديل؟) وكأن مسألة النضال لم تعد كافية كبديل، فمن كان العجز عنده نظرية لا يستطيع أن يتقدم. وقد عاد هاني الحسن إلى أراضي السلطة الفلسطينية بناء على قرار من اللجنة المركزية لحركة فتح مع عباس زكي وصخر حبش، وقد وضع وثيقة بعنوان (للخروج من مأزق أوسلو.. حتى لا نضيع بالدبلوماسية ما أنجزناه بالبندقية) وضع فيها أربعة محاور أساسية تتمثل في قضية التحرر الوطني والاستقلال وتعزيز الحياة الديمقراطية وتدعم المجالات الحياتية والاجتماعية والاقتصادية والحفاظ على الثقافة والتربية الوطنية للخروج من المأزق الحالي الذي يعيشه الشعب الفلسطيني. ويشدد الحسن على ضرورة التمسك بمنظمة التحرير الفلسطينية ككيان سياسي وطني ومواصلة النضال لطرد المحتل، ومنح الشعب الفلسطيني حقه الكامل في تقرير مصيره واستقلاله الوطني، والتنسيق مع القوى الوطنية والإسلامية كافة، مع التأكيد على البعد العربي للقضية الفلسطينية.
كاتب وصحفي فلسطيني