يخطئ من يظن أن الفساد يكمن فقط في التجاوزات المالية, وأن من لم يسرق أو يرتشِ لن يكون مفسداً. نعم، الرشوة والسرقة محرمتان دينياً قبل كونهما في عداد الجرائم الجنائية والأخلاقية نظامياً, والمنبوذة سلوكياً واجتماعياً, إلا أن هذا لا يلغي ولا يبرئ المفسدين الآخرين في الوزارات والإدارات الحكومية وحتى في المؤسسات والشركات والقطاعات الأخرى, أولئك الذين يعبثون بالأنظمة، ويتلاعبون بمصالح ومشاعر وحقوق البشر..
الفساد يشمل المسؤول غير المنضبط بأداء واجباته الوظيفية، وبالحضور والانصراف في الوقت المحدد, والموظف المتلذذ بتعطيل وعرقلة معاملات المراجعين. يشمل من يقلب الحقائق، ولا يحترم أمانة قلمه ومسؤولية مهنته الإعلامية, والمعلم الذي لا يقدر معنى وقيمة وأهمية رسالته التربوية والتعليمية، ودوره في بناء أجيال المستقبل, مَنْ يدمّر البيئة والطبيعة والشجر والحجر, من يغش في تجارته ويبالغ في أسعار بضاعته, والمزارع الذي يملأ محاصيله بالمواد والأسمدة الكيميائية المهلكة, من يهدر الماء والكهرباء، ويسرف في مأكله ومشربه وملبسه وطريقة إنفاقه, من يتهور في قيادة سيارته، ولا يراعي سلامته وسلامة الآخرين..
حمى الله الوطن والأمة من شر المفسدين في الجامعة والوزارة والإدارة والمؤسسة والمطبوعة والمنتدى والقناة والمدرسة والمتجر والمصنع والمستشفى والشارع والمزرعة, ودامت بلادي شامخة، تفخر وتعتز وتتألق وتسمو بقادتها المخلصين وأبنائها الأوفياء الشرفاء..
الجناة والمجني عليهم
في كل مرة يخفق فيها الأخضر تكثر الانتقادات، ومعها تتنوع الاتهامات في تحديد الجهة أو الأطراف المسؤولة عن الإخفاق. أما الرد أو الجواب من اتحاد الكرة فغالباً ما ينحصر في إصدار قرار عاجل، يقضي بطرد المدرب؛ لأنه وحده يتحمل مسؤولية ما جرى، حتى صرنا على رأي الدكتور الخبير صالح بن ناصر (مجزرة المدربين). في السنوات الأخيرة تغيرت لهجة الاتحاد؛ فأصبح الإعلام سبباً رئيساً في المشكلة، بعد أن كان شريكاً قوياً وفاعلاً في الإنجازات, وهو رأي رسمي، لا يخلو من الصحة، لكنه يفتقد الدقة فيما يتعلق بتسمية المتورطين بأسمائهم ومواقعهم، ومن سمح لهم بتمرير كوارثهم وتسويق خزعبلاتهم؟
صحيح أن هنالك إعلاماً سلبياً، ضرره أكثر من نفعه على الكرة السعودية، وصحيح أيضاً أن لدينا في مختلف وسائلنا الإعلامية عقولاً وأسماء ورموزاً وأقلاماً نزيهة وشريفة، لها مكانتها وإسهاماتها، وكانت وما زلت تعمل بمهنية، وتنتقد بموضوعية، تنقل بأمانة ومصداقية؛ لذلك، وحتى لا تختلط علينا الأمور، ونضيع في زحمة الوجوه وغوغائية الضجيج؛ فيصير الصالح طالحاً مذنباً، والجاني المخرب المفسد بطلاً ورمزاً وطنياً مصلحاً، كنا نتمنى ممن وجَّه لومه للإعلام، وفي مقدمتهم سمو الأمير نواف بن فيصل، أن يسأل على سبيل المثال القائمين على القناة السعودية الرياضية، بصفتها وسيلة إعلامية حكومية رسمية مهمة مؤثرة ومنتشرة، والناقل الحصري للدوري السعودي، لماذا أتاحوا الفرصة، وطرحوا الثقة بأسماء لا تملك من مقومات النقد والتحليل والخبرة الإعلامية والدراية الفنية التي تشفع لها وتؤهلها للظهور عبر الشاشة الرسمية، وليست التجارية، غير الصداقة والعلاقة الشخصية والاشتراك في الميول مع هذا المذيع أو ذاك المخرج أو المعد؛ الأمر الذي جعل الكثير من البرامج كما البوابة من غير بواب, تبث المغالطات، وتروّج الأكاذيب، وتتجنى على خلق الله بألفاظ وأفكار وقناعات تدفع الجماهير إلى الاحتقان، وتسيء للذوق العام ولسمعة القناة، فضلاً عن تأثيرها السلبي على تشكيل الرأي العام وعلى استقرار وخطط وبرامج وقرارات الأندية والمنتخبات..
لا طابت ولا غدا شرها!
إذا كان الكثيرون يرون ويجمعون على أن ما تمر به الكرة السعودية من تدهور هو نتاج الأخطاء الفنية والإدارية المتراكمة خلال السنوات الأخيرة الماضية؛ حيث دبت الفوضى في طريقة إدارة المنتخبات، وفي أعمال وقرارات ولوائح وهيكلة اتحاد الكرة واللجان الأساسية التابعة له, وانعدمت المنهجية والاحترافية في خططه وبرامجه ورؤيته المستقبلية, فمن المؤكد أن الوضع سيكون أكثر سوءاً في المرحلة القادمة طالما أن اتحاد الكرة المؤقت سيستمر لفترة طويلة معلَّقاً، يعاني من عدم الاستقلالية في طرح أفكاره وقراراته وصلاحياته, يمارس أعماله في ظروف طارئة غامضة، ووسط أجواء مضطربة..
الكرة السعودية ستتراجع لاحقاً أكثر وأكثر، وستدفع مع مرور الوقت ثمن التباطؤ في حسم مصير الاتحاد الجديد, والأسوأ والأخطر من ذلك أن يبقى بعد تشكيله كما في السابق اتحاداً مرجعيته وقيادته وتوجهاته بيد الرئاسة العامة لرعاية الشباب، وليس الاتحاد الدولي (الفيفا), وفي هذه الحالة سيظل مرتهناً للرؤى والعقليات والقناعات القديمة ذاتها, ومعه سنردد بحرقة وألم وحسرة (لا طبنا ولا غدا الشر)..!
abajlan@hotmail.com