استمعت عصر الأربعاء الثامن عشر من جمادى الثانية إلى برنامج إذاعي من الإذاعة السعودية، يناقش موضوع اختبار القياس إيجابا وسلبا، وقد استضاف المذيع أحد مسؤولي المركز الوطني للقياس والتقويم، ولكون أخونا المسؤول يدرك في قرارة نفسه أن معركته خاسرة أمام أغلبية الطلبة والمستمعين الملدوغين من قياس، فقد اصطحب أحد الطلاب المؤيدين للقياس لعله يسنده ويشد من أزره، ولكن هيهات أن يُصنع المجد من خيط العنكبوت، وبينما أنا أسمع وأستمتع بأسئلة المذيع الصائبة والجريئة واتصالات ومداخلات الطلاب وأولياء الأمور وتعليقاتهم النارية التي أجمعت على سلبية ذلك الاختبار واستهدافه للجيوب قبل العقول، إذا بأحد المتصلين يقول (اسمحوا لي أن أذكر لكم وللمستمعين قصتي مع القياس.. أنا أحد الطلبة الذين خاضوا التجربة ولقد حصلت ولله الحمد على درجة عالية في اختبار القياس أكبر من درجتي التي حصلت عليها في الثانوية العامة) ففرح مسؤول القياس واستأنس وأشاد بذلك الطالب المتصل مستبشرا ومستشهدا أن ذلك الطالب أحد النماذج الواقعية التي أفرزها الاختبار إيجابا على مستوى تقييم الطلاب..
فقاطعه المذيع الذي ما يزال على الخط مع الطالب المتصل، وأعطى الطالب الفرصة لاستكمال حديثه عن اختبار القياس، فقال الطالب (يا دكتور اسمح لي ما خلصت كلامي، أنا صحيح حصلت على نسبة عالية في القياس ولكن بكل صراحة وأمانة والله ما حصلت عليها إلا بالصدفة، يعني أنا محظوظ كما يقولون حقر بقرة لأن إجابة الأسئلة كلها اختيارية، وأنا والله كل الذي عملته أذكر الله واقرأ قل هو الله أحد واختار إحدى الإجابات عشوائيا وخلاص، والحمد لله الله وفقني وحصلت على درجة عالية) فرد عليه الدكتور لا لا ماهو معقول كيف صدفة ومحظوظ مستحيل، هذا مستواك الفكري الجيد ولا يمكن يكون للحظ أي مجال في اختبار قياس، فابتسم الطالب وقال (يا دكتور أقول لك بالحظ تقول لي مستواي الفكري!! أنا اللي داخل الامتحان ماهو أنت وأنا والله ما قلت إلا الصحيح وبعدين كيف أستطيع أنا وغيري أن نجيب على أسئلة ما درسناها ولا مرت علينا في مناهجنا من أولى ابتدائي إلى الثانوية العامة) انتهى الاتصال، وتناول المذيع طرف الحديث وقال، ما رأيك يا دكتور فيما قاله الأخ المتصل بأن المسألة مسألة حظ لا أكثر..
فاشتط الدكتور غضبا وقال أتحداه أن تكون إجاباته بالحظ، اختباراتنا ما تتجاوب إلا بالجهد والحصيلة الفكرية لدى الطلاب وهذا ما نهدف إليه في المركز و..و..و..و..و..و.. كلام بعيد عن الواقع والمنطق بطريقة متسرعة ومرتبكة حتى صار يوجه الأسئلة للمذيع والمذيع يحاول أن يعيد ذلك المسؤول إلى الواقع فقال له ساخرا يا دكتور أنت قاعد توجه لي أسئلة على شاكلة أسئلة قياس..
كان مقطعاً سمعياً مضحكاً بين المسؤول والمذيع على طريقة البيضة والدجاجة أيهما أسبق، حيث استمرأ سعادة الدكتور في توجيه أسئلته الفلسفية إلى المذيع مصراً على أن إجابات قياس لا يمكن أن تأتي بالصدفة، والمذيع مندهشا كدهشتي ودهشة جميع المستمعين من هذا المسؤول الذي تبنى الدفاع عن قياس إلى درجة أن يقصي الطالب المتصل من عقله وتفكيره ويؤكد أنه لم يجب بالصدفة بالرغم من اعتراف الطالب بذلك!! لم أسمع قطعا بتبرير ودفاع في حجم وطبيعة دفاع ذلك المسؤول القياسي الذي لم يوفق أبدا في إجابة أي سؤال موجه له..
وجاء اتصال آخر يتحدث صاحبه عن الرسوم وكثرة الاختبارات المتكررة وصعوبة ذلك على السواد الأعظم من الطلبة مستغيثا بخادم الحرمين الشريفين حفظه الله بالتدخل لإلغائها، فقال المذيع ما رأيك يا دكتور هذا متصل آخر متذمر من الرسوم، هل أنت معه في إلغائها أم لا؟ فرد بعد تكرار السؤال من المذيع أكثر من مرة، وقال بالتأكيد لا فهذا لا يمكن ويتعارض مع سياسة المركز، فقاطعه المذيع قائلا، وهل من سياسة المركز أن يثقل كاهل الناس بهذا الشكل المتكرر والمعمم على الطلبة والطالبات والمعلمين والمعلمات ومن في حكمهم ممن يخضعون لاختبار القياس؟ الحقيقة إنني أشفقت على ذلك المسؤول وودت أنه تحدث بواقعية بدلا من هذا الدفاع المستميت عن اختبار القياس الذي حطم الطلاب ونهب درجاتهم وتحصيلهم العلمي المتراكم على مدى اثني عشر عاما من التعب والسهر، فيأتي القياس في ثلاث ساعات فقط فيغتال جهد السنين العجاف، كضربة قاصمة وخنجر مغروسة في صميم المستقبل الذي خطط له طلابنا وطالباتنا!! إنني على ثقة تامة بأن هذا البعبع سيلغى في نهاية المطاف، ولكن بعد أن يعم ظلمه وإجحافه كل بيت سعودي.
هكذا نحن، نتخبط ونجرب في أنظمتنا دون أن نؤسس أو نهيئ ما يتناسب مع جهدنا وفكرنا ومناهجنا، وعندما تفشل التجربة نصحو من الغيبوبة دون مراعاة لما أحدثته تجربتنا الفاشلة من آلام ومتاعب نفسية على الخاضعين للتجارب.
هدر أموال وهدر جهود بلا تخطيط ولا رؤية ولا منهجية، وللعلم هناك من يريد التسلية واختبار معلوماته فيسجل في اختبارات القياس بعد دفع المائة ريال ويتمكن من الحضور والاختبار وهو ليس طالبا!! وهذا مربط الفرس فطالما المائة ريال أودعت في الحساب فلا شأن لهم بمن أودعها سواء كان طالبا أو بائعا للخضار!! هل وصلت الرسالة؟ بالطبع نعم فالعقول نضجت ووعت.
Jarman4444@yahoo.com