ظلت الولايات المتحدة حريصة على عدم تفضيل أي طرف على الآخر في الانتخابات المصرية، والآن فإن الرئيس مرسي بحاجة إلى رعاية الشراكة بين الجانبين، فوجود مصر مستقرة يصب في صالح الولايات المتحدة، والاستقرار سوف يأتي من ثلاثة أشياء: السلام الداخلي بناء على رغبة الشعب المصري، والسلام مع جيرانها، واقتصاد ناجح يعمل من أجل تلبية حاجات الشعب. وقد ظلت الولايات المتحدة حريصة على ألا تفضل طرفاً على آخر في الأسابيع الماضية، ولكنها شجعت الممسكين بالسلطة ـ أي الجيش المصري ـ على ضمان الحصول على نتائج ديمقراطية في النهاية، فقد كان ذلك هو الطريق الوحيد للوصول إلى الاستقرار.

والمضي قدماً انطلاقاً من تلك النقطة سيكون أكثر تعقيداً: فالرئيس الجديد تم انتخابه، ولكن مهامه غير محددة بصورة كاملة، ولا يزال الدستور لم يكتب، لذا فإن التحدي الأول هو إتمام تلك العملية من خلال المجلس الأعلى للقوات المسلحة، بالتعاون مع المؤسسات الأخرى في البلاد، بما في ذلك القضاء الذي لعب دوراً هاماً للغاية.

والنقطة الثانية هي أن العلاقة المدنية العسكرية ستظل شائكة، وربما نصل في النهاية إلى مقايضة واتفاق، فالجيش لم يأت إلى السلطة بشرعية شعبية، ولكنه أيضاً لم يكن ليظل في السلطة بدون وجود دعم شعبي ملموس له، فقد أعلن الجيش عن السلطات التي يريد الاحتفاظ بها، بما في ذلك أن يكون مسؤولاً عن استمرار السلام مع إسرائيل، وعن اختياره لسلسلة القيادة الخاصة به، وعن صناعاته وممتلكاته العسكرية، فقد ورث كل ذلك منذ عام 1952، ولكننا يجب أن نلاحظ أيضاً أن الجيش من أعماقه لا يريد أن يدير مصر، فهو يريد أن يسلم مهام الإدارة اليومية إلى سياسيين منتخبين.

أما التحدي الثالث فهو حقيقة أن الرئيس مرسي فاز بالانتخابات بنسبة 51% فقط، من إجمالي عدد المصريين المؤهلين للانتخابات والذين صوت منهم ما يقرب من 50% من الشعب، لذا واقعياً فإن مرسي يدعمه فقط 25% من الشعب، وهذا يعني أنه يجب أن يحكم بصورة ائتلافية وجماعية، وأنه يجب أن يحتوي كل أطياف الشعب المصري، بخاصة أولئك الأكثر قلقاً من المستقبل مثل النساء والأقباط. كما يجب أن يتأكد أن حقوق المصريين ستظل مصونة، بما في ذلك حق التصويت مرة ثانية في انتخابات حرة ونزيهة.

ويجب على الولايات المتحدة أن تتحلى بالاعتدال والحذر في تقييمها لتجربة ديمقراطية غضة وفتية مثل الحالة المصرية، ففي الحالة المصرية الفائز لا يأخذ كل شيء، ومن يعلم ذلك أكثر من الإخوان المسلمين الذين ظلوا منذ ثمانين عاماً يعانون، وقضى قادتهم معظم تلك الحقبة في السجون المصرية.

وفي النهاية فإن التحدي الأكبر لمصر يكمن في إدارة الاقتصاد، فمصر يجب عليها أن تجد مصادر للاحتياطي الأجنبي، وأن تضبط ميزانيتها بما في ذلك الإنفاق الحكومي، وأن تحقق نمواً اقتصادياً إضافة إلى توفير وظائف للشريحة الأكبر من العاطلين. وتلك الأمور في جوهرها مشتركة لدى الكثير من الدول حول العالم، وربما ينجح الاقتصاد المصري في تحقيق تلك الأهداف بصورة متقطعة حتى نهاية العام، ولكن يجب على مصر أن تجتذب المانحين الأجانب لتحظى بالسيولة التي تحتاجها لوارداتها وبخاصة واردات الغذاء والخامات الصناعية.

أما من حيث العلاقة الأمريكية مع الحكومة الجديدة فأنا أعتقد أننا لدينا علاقات قوية مع مصر، بصرف النظر عمن سيكون رئيساً للحكومة سواء من الإخوان المسلمين أو من خارجها، وفي الأيام القادمة يجب على الولايات المتحدة أيضاً أن يكون لديها علاقة موسعة ليس فقط مع الرئيس مرسي ولكن أيضاً مع الحكومة التي سيعينها ومع البرلمان القادم، فواشنطن تستطيع أن تجد الكثير من المناطق المشتركة مع مصر، وأن نكون شركاء وأصدقاء لها، وأن نحظى بتقدم في العلاقات عن طريق العمل معاً في القضايا المهمة التي تواجه المنطقة، التي يوجد الكثير منها في اللحظة الراهنة.

ولكن ما يمنحني أملاً كبيراً هو أنه في الأشهر الماضية، عانت مصر من ضربات قاسية، ولكنها تحملتها بدرجة عالية من الانضباط، فقد استطاعت مؤسساتها أن تعمل وأن تقف على قدميها، ولكن قلقي الأكبر هو أن الحكومة الجديدة سرعان ما ستتعامل مع مشكلات طاحنة، بما في ذلك الاقتصاد وعدم وجود تنافسية فيه والعبء الأكبر المتعلق بالدعم الحكومي وجهازها الإداري المنتفخ والتعليم السيئ والبنية التحتية المنهارة في مجالات الرعاية الصحية.

* (الجارديان) البريطانية