عندما قمنا باختبار أول قنبلة نووية عام 1998 اتسم رد فعل الحكومة ووسائل الإعلام والرأي العام الهندي بالمبالغة بصورة مذهلة. وكما كان متوقعاً فإن باكستان ردت على الفور بإجراء تجربة نووية إلى جانب شن هجوم عسكري في منطقة جبال كارجيل على الحدود بين البلدين لكي تؤكّد للهنود أن امتلاكهم للسلاح النووي لن يخيف الباكستانيين. ولم يختلف رد الفعل الشعبي في باكستان عن رد الفعل في الهند وهو ما يؤكد أن كل شعوب جنوب آسيا تخرج من لباس واحد. ومع اختبار الهند للصاروخ بعيد المدى الجديد آجني قبل بضعة أشهر ردت باكستان بإطلاق الصاروخ شاهين لتعود الأمور بين البلدين إلى أجواء 1998. ولكن على عكس الحال عام 1998 فإن الشعب الهندي لم ينزل إلى الشوارع للاحتفال ولكنه لجأ إلى مواقع التدوين على الإنترنت باعتبارها الساحة الجديدة للتعبير عن الآراء والمواقف، حيث تحدثت أغلب التعليقات عن 9 سنوات من العار في الهند. عندما تنجح تجربة الصاروخ آجني 5 فإن هذا يعزّز قدرات الردع الهندية وبخاصة بالنسبة لجارتها الصين. هذا ما يقوله برنامج تطوير الصواريخ الموجهة المتكاملة الهندي والذي يعود إلى الثمانينيات. وقد نجح هذا البرنامج في تطوير صاروخ قادر على حمل رؤوس نووية ومداه 5000 كيلومتر. ورغم ذلك فإن هذا الإنجاز لم يقنع الشعب بالاحتفال به. فقبل كل شيء احتاجت الهند إلى 30 عاماً تقريباً لكي تنتج صاروخاً يصل إلى هذا المدى.
هناك العديد من الدول التي يمكنها إنتاج مثل هذا الصاروخ اليوم وفي مدى زمني أقصر. وتضم هذه القائمة اليابان وكوريا الجنوبية في آسيا وبالتأكيد فإن أستراليا تستطيع ذلك. ويبلغ مدى صاروخ شاهين الباكستاني 3000 كيلومتر ولذلك فباكستان ليست بعيدة تماماً عمّا حققناه من الناحية التكنولوجية. وكذلك فإن التكنولوجية الصاروخية لدى إيران تتطور بسرعة كبيرة.
الفكرة هي أن الصواريخ وكذلك الأسلحة النووية باتت تكنولوجيا قديمة. والتعلق بها صعوداً وهبوطاً حماقة. فالعلماء الهنود لم يحققوا أي إنجاز يميزهم عن علماء العالم وكذلك الحال الحال بالنسبة لعلماء الاجتماع الهنود. وإذا نظرنا إلى عدد الأبحاث العلمية التي يتم نشرها في المجلات الكبرى وكذلك عدد براءات الاختراع التي يتم تسجيلها وعدد الابتكارات التي يقدمها علماء الهند سنجد أن ترتيب الهند متأخر على الصعيد العالمي في حين تحظى الصين بترتيب أفضل في هذا السياق وكذلك الحال بالنسبة لكوريا الجنوبية واليابان. أما بريطانيا على سبيل المثال فإن لديها 76 حائزا لجوائز نوبل للعلوم رغم أن عدد سكانها لا يزيد عن 60 مليون نسمة.
في المقابل فإن عالماً هندياً واحداً يعمل في الهند هو الذي حصل على إحدى جوائز نوبل للعلوم وهو سي في رامان الذي يتعاون مع مراكز الأبحاث في بريطانيا. وهناك 3 هنود يعملون خارج الهند وكلهم يعملون في الولايات المتحدة.
والحقيقة أن هناك إنجازين تكنولوجيين هنديين فقط يحظيان باعتراف عالمي وهما ساق جيابور الصناعية والسيارة الصغيرة نانو تاتا.
والسؤال لماذا نحتفى بصورة مبالغ فيها بأشياء مثل التجارب الصاروخية؟ الإجابة الأكثر احتمالاً هي لأننا لا نملك الكثير مما يمكننا الاحتفال به في ظل انخفاض مؤشرات التنمية البشرية في الهند، حيث تنخفض هذه المؤشرات بالنسبة للهند حتى بالمقارنة بدول جنوب آسيا ودول جنوب الصحراء الإفريقية. فنصيب الهنود من السعرات الحرارية اليوم أقل منه منذ عشر سنوات. ونسبة الذكور تزيد عن نسبة الإناث في الهند وهو ما يهدد بمخاطر اجتماعية كبيرة في المستقبل. والنظام التعليمي لدينا متدهور. والبنية الأساسية سيئة للغاية . والمدينة الهندية الوحيدة التي يغطيها نظام المياه النظيفة بالكامل هي جميشدابور. ولدينا أزمة مالية وشيكة ونمو اقتصادي يتراجع وارتفاع مستمر في الأسعار وقطاع زراعي ينكمش وتمييز ديني متزايد والانقسامات السياسية على أشدها. ونظام الحكم وبخاصة على مستوى الولايات متداع.
إذا أرادت الهند أن تكون دولة محترمة وآمنة على المدى الطويل يجب عليها الاحتفال بإنجازاتها في مجال الطاقة المتجددة وبالقضاء على شلل الأطفال أكثر من احتفالها بإطلاق صاروخ جديد أو اختبار قنبلة نووية حديثة.
* (ذا تايمز أوف إنديا) الهندية