للتاريخ الرياضي-كفرع من فروع التاريخ العام-.. قيمة علمية, وأهمية معيارية, وتأثير مباشر في رسم ملامح التنمية الرياضية واستلهام للمستقبل في أي مجتمع.. يهتم بأسس ومكونات ومعطيات ومحتوى هذا العلم الإنساني الخصيب الذي يشكل منهج علمي رصين في البناء الرياضي الرشيد.. يرمي إلى قياس مؤشرات تقدم وتطور وصيرورة المؤسسات الرياضية وفق المقارنة الزمنية, لذلك عرف عن الإنجليز حبهم للتاريخ بشكل عام حتى على صعيد مؤسسات المجتمع المدني, فمثالاً جامعة أوكسفورد البريطانية (العجوز)..! تعد أقدم جامعة في العالم.. تأسست في عام 1209م يعني ولدت أكاديمياً قبل أكثر من ثمانية قرون زمنية, واختيرت ضمن أفضل الجامعات العالمية حسب تصنيف تايم للجامعات لعام 2011ـ2012م وسر تفوق هذه الجامعة (العميدة) هو اعتمادها على المنهج التاريخي ضمن منظومة من الاتجاهات العلمية في قياس الإنتاج العلمي والبحثي بين كل فترة وأخرى والمقارنة العلمية وفق المعايير الزمنية لذلك لم تستكين الجامعة الرائدة أو تتوقف عن الاهتمام بالمنهج التاريخي بمجرد تقدمها العلمي بل واسعت اهتمامها بإنشاء متحف ومجموعات أوكسفورد التاريخي فهو المتحف الأبرز عالمياً الذي يظم وثائق علمية وصور نادرة ويظم تاريخ الجامعة, بل يظم وثائق ومخطوطات علمية نادرة جدا تعود لأكثر من قرنيين من الزمن ويقدر عدد زواره سنوياً مليون زائر يهوون التاريخ والحضارة العلمية.
ورياضياً اتجهت بوصلة الإنجليز إلى الاهتمام بالتاريخ الرياضي فيما يتعلق بكتابة ورصد وضبط الوقائع التاريخية والإحداث الرياضية التي تعود لأكثر من قرن من الزمن.. فالاتحاد الإنجليزي الذي يعد أول اتحاد أوروبي تأسس عام 1863م وانضم إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم عام 1905م, يضم وثائق تاريخية وصور نادرة جداً ومعلومات دامغة.. تحكي مسيرته الريادية العريقة قبل أكثر من مئة سنة, إلى جانب رصد وضبط وتدوين تاريخ تأسيس وتكوين الحركة الرياضية وإنجازات ونجوم ورموزالأندية الإنجليزية في أوعية وقوالب متخصصة عبر اتحاد خاص، يعتمد على عنصري الزمن والتنظيم المدعوم بالفكر والتخصص الدقيق, لأنهم (بالعقول الواعية) يدركون أن الإحداث والوقائع التاريخية المرصودة بدقة وبمهنية تؤدي أدوارها داخل أسوار الهياكل والتنظيمات في البناء الرياضي, ويدركون أيضاً أن قراءة التاريخ تساعد في الوقوف على الجوانب ألمضيئه فيه فيتبعها وعلى الجوانب السلبية فيتجنبها, لذلك نجد أن المرجعية الرياضية التوثيقية التاريخية في الاتحاد الإنجليزي تشكل نموذجاً للوعي الحضاري والعمل الاحترافي في الاحتفاظ بمعلومات وصور ووثائق يتجاوز عمرها الزمني عمر بعض الدول النامية والنائمة..!!, وضبط الوقائع وتدوين الإحداث أولاً بأول.. فلا صراع حول لقب النادي الملكي..!!. ولا نزاع حول عدد بطولات النادي الفلاني, ولا أكاذيب تاريخية يقودها ثلة من الإعلاميين.. عفواً مشجعون ومطبلون..!! يعانون من فراغ نفسي وخواء فكري وإفلاس أخلاقي.. يبحثون عن مكاسب شخصية من وراء العبث التاريخي وتزييف حقائقه، كما يحدث في مشهدنا الرياضي مع الأسف الشديد, فتاريخنا الرياضي ظل ومازال (مجهول الهوية).. وأشبه «باليتيم» الذي لم يجد من يرعاه (رسمياً) منذ ولادته قبل نصف قرن من الزمن, ويضبط ساعته التوثيقية, ويحفظ حقوقه الأدبية والفكرية والأخلاقية من العابثين والمتطاولين والمزيفين الذين يكتبون التاريخ حسب الأهواء المكشوفة والميول الفاضحة, والعاطفة المسّيرة في ظل عدم وجود اتحاد متخصص يعني بالتاريخ الرياضي.. يتصدى لهذه التجاوزات.. والممارسات الخارجة عن قواعد الضبط المهني والأخلاقي.. كما يحدث في الدول المتحضرة التي جعلت من التاريخ الرياضي قيمة علمية, وأهمية معيارية في الدخول إلى بوابة التطور والتقدم والتنمية الرياضية باهتمامها بضبط إرهاصاته وإيقاعاته.. وكما قيل أمة لا تقرأ تاريخها لا يمكنأن تعرف حاضرها.. فالمؤسسة الرياضية التي دخلت عقدها الخامس في الموسم الماضي لا تملك الوثائق والمعلومات والصور النادرة وعمرها 50 عاماً..!! مقارنة باتحادات أوروبية تجاوز عمرها التأسيسي قرناً من الزمن..!! مع ذلك تحتفظ بتاريخها الرياضي في متاحف مجهزة واتحادات متخصصة تعكس الوعي المجتمعي والإحساس العميق حول قيمة وأهمية وتأثير التاريخ في صناعة التنمية بشمولها واستلهام للمستقبل في ضوء التحولات الزمنية والتراكمات الثقافية. والمتغيرات الاجتماعية لذلك. آن الأوان لرعاية الشباب أن تتجه بوصلتها لضبط إرهاصات التاريخ وحماية مكتسباته وحفظ حقوقه وأدبياته من العبث والتزييف والتلاعب المكشوف.. بإنشاء اتحاد متخصص.. يعنى بالتاريخ الرياضي, ويمكن الاستفادة من المؤرخين الكبار والمصادر الأولية الموجودة على قيد الحياة في رسم سياسة ومنهجية ومنطلقات العمل الرياضي التوثيقي (المنضبط) وفق أسلوبه المهني, وصياغته العلمية, وصيانته الاحترافية بما يضمن وجود مرجعية تاريخية رياضية ضابطة (رسمياً) تجهض كل محاولة للتلاعب والتزوير والتزييف وقلب الحقائق بلا ذمة أو ضمير أو عقل سليم.
Twitter@kaldous1