الشباب، الذكور منهم والإناث، شمعة الحاضر، ووقود المستقبل، ووعده المنتظر! وهم نور الأمة ونارها:
1- هم نور.. إذا أُعِدّوا الإعدادَ المتين، خلقاً وتأهيلاً وقدرات.
2- وهم نار.. إذا هم كانوا دون كذلك قواماً، فإما أصبحوا عوناً لأمتهم بعد الله: صلاحاً وإصلاحاً، وإما أمسوا عبئاً عليها: فساداً وإفساداً!
***
اعلم سلفاً أن في العبارات السابقة تحذيراً ثقيلاً! ولِمَ لا، إذا كان مستقبل هذه الأمة وكل أمة يستند بعد الله إلى شبابها، عسراً ويسراً، سغباً ورخاءً، أمناً وخوفاً! هم العدّة، ليسَ بعددهم فحسب، ولكن بما يملكون من قدرات التحصين الخلقي والمواهب الطبيعية والمكتسبة والتأهيل المهني، ناهيك عن القدرات الأخرى المتعددة الأطياف الناتجة من الاستثمار السويّ في علوم العصر وتقنياته وثرواته العلمية والفكرية بما لا يتعارض مع ثوابت الدين الحنيف، ويتوازى مع كل ذلك أهميةً كيفية (استثمار) الأمة لهذه المواهب والقدرات لعبور بوابة المستقبل بأمان، بلا فتن ولا قلاقل ولا محن!
***
ورغم كل ما تقدم أزعمُ بقدرٍ بيَقين أن هذا الكم من القلق لم ولن يضَعني بإذن الله لحظةً واحدةً على شَفا الإحباط يأْساً، أو القُنوطِ استسلاماً، فالمستقبلُ علمُه عند ربي، والحاضرُ في ظل المشيئةِ الإلهيّةِ مرتبطٌ بما نتَصوّره نحن البشَرَ عنه ثم نقرّرُه فنفْعلَه، وأرجو أن تكون العاقبةُ خيراً كلُّها ونجاحاً.
***
أخيراً، أذكّر بأنّ قَدْراً من القلق نحو الشباب ومن أجلهم مُستحَبُّ إنْ لم يكن ضرورياً، ذلك القُلقُ الذي يحفّزُ الخاطرَ، ويشحذُ العقلَ، وينشَّط العزْمَ لفعلِ شيءٍ أو أشياءَ تدْرأُ عنهم ما قد يَعُوقُ نموَّهم، أو يعطّلُ إبداعَهم، أو يُوردُهم هاويةَ الإحباطِ الذي لا حيلةَ معه والعياذ بالله!
***
الآن.. أعرض بإيجاز بعض أعراض هذا القلق الذي يساورني ممثلاً في أربعة هواجس فأقول:
أولاً: أوجسُ قلقاً من واقع شباب اليوم ناهيك بمستقبله إذا اسْتمرتْ منظومةُ التربية الحالية بشقَّيها العام والعالي، في (تصْعيدِ) أرقامِ البطَالة بَدَلاً من تخْفيضها إلى الحدَّ الأدنى المقبولِ اقتصادياً واجتماعياً وإنسانياً، خاصةً في ضَوْء (الجفْوة) القائمة بين بعض شرائح الشباب والقطاع الخاص، الذي يشكُو بدوره (تمرّدَ) بعضِهم على شرُوطِ وضَوابطِ وظائفِه مهنيّاً وأخلاقياً، يعادلُ ذلك موقفُهم تعْبِيراً عن الشكوى من عَدَم تفهّم ربَّ العمل لظروفِه و(خصوصياته) الفردية والاجتماعية، وبالتالي ترجيح الكثيرين منهم لـ(وظيفة الحكومة) خياراً أفضل!
***
ثانياً: أوُجسُ قلقاً على براعم هذه الأمة بسَبب إهمَالِ بعضِ الأُسر لواجبها التربويّ للطفل في المنزلِ وخارجهِ، وإيكَالِ هذه المهمة للخَادمةِ، مرُوراً بثقافةِ الشارع بما فيه ومَنْ فيه رمُوزاً وقيماً وممارسات! ويزْداد الأمرُ شأناً ويْعُظُم خَطراً متى كان الأبُ في وادٍ والأم في آخر، والابنُ أو الابنةُ في وادٍ ثالث، فلا تَوافُقَ في آليّةِ التَّربية، ولا وفَاقاً لحسْم نتَائج السَّلبِ فيها لصَالحِ السَلام الأُسري، ليبْقَى الابنُ والابنةُ، كلٌّ منهُما على حِدَة، يصْلى نارَ الشَّتاتِ والضَّياع، وقد يُضْطَرُّ إلى التمَاسِ (تعويضٍ) لما افتقده في البيت حُبَّاً ورعايةً وتوجيهاً، بدْءاً بأصدقاء الظلال الذين (يزَيّنوُن) له التَّمرّدَ على كلَّ شيء، وانتهاءً بعَفَنِ المخدرات!
***
ثالثاً: أوجسُ قلقاً على الشباب حين يَرَى أحدُهُم (الوظيفةَ الحكوميةَ) وكأنَّها (مصباحُ عَلاء الدين) السّحْري الذي يَفْرشُ له أرضَ المستقبلِ سُنْدساً واسْتَبْرقاً، ويتعاظم قلقي من استمرار بعض الجامعات في التَّعامل مع منَاهجِها وكأَنَّها غايةٌ لا وسيلةٌ لردْمِ الهُوّةِ بين تأهْيلِ الشَّبابِ واسْتَحْقَاقِاتِ الوطنِ!
***
رابعاً: أخشَى على شباب اليوم من التسَرُّع فـي (طَلبِ العُلا) اسْتِسْهَالاً للِهَدفِ، أو اسْتصغَاراً للنّتَائجِ، مثْلمَا أخْشىَ عليهم من سُرعةِ الاسْتسْلام للفَشَلِ بعد أوّلِ (كبوة) في التحصيل العلمي، ثم يُهرْوِلُ أحدُهم، وبالسُّرعةِ ذاتِها، نحو الوظيفة مهْمَا دنَتْ قَدْراً وأجْراً، ينشدُ في ظلِّها (نجاةً) تُنْسِيه مرارةَ الفَشَلِ الدراسي، وقد تَتَحوَّلُ (الوظيفةُ) في مثل هذا الموقف إلى (أفْيُونٍ) يعطِّلُ الموهبةَ، ويُطفِئُ شعلةَ الرغبةِ في قَهرْ الفَشَل وإحْرازِ النجاح!
***
وبعد..
ترى.. إلى أين المفر بعد كل هذا؟!
(أفوض) الرد إلى حكماء التنمية والتربية والرأي السديد!