لا يغبط مراقبون أوروبيون في نيويورك نظام الملالي في طهران، على ما آلت إليه أوضاع بلادهم الكارثية، وما ستؤول إليه، تحت مطرقة الحصول على رغيف الخبز وسندان حظر البترول الإيراني. هل اخترع عباقرة صناعة القنبلة النووية الإيرانية، معادلة تحويل البترول إلى سنابل قمح، تُطعم مؤيّدي ولاية الفقيه في العالم؟
ينصح المراقبون الأوروبيون أن تُقارن طهران بحكمة، مليّاً وبشكل عميق، ما حققه من منجزات رائعة المهاتما غاندي، الذي “استوردته” الهند من جنوب إفريقيا، وما ارتكبه من جرائم “رائعة” أيضاً، الخميني، الذي استوردته إيران من الهند، فأعادها آلاف السنين إلى الوراء، وبترها عن حضاريتها الإنسانية المشهودة.
المراقبون الأوروبيون هؤلاء، العارفون جيداً بخصائص نظام ولاية الفقيه، التي تُكرّس ثقافة الهاوية، وتعمل، بحقد وكراهية، مع روسيا بوتين، على تسويقها في المنطقة، عقائدياً وإستراتيجياً.. هؤلاء المراقبون يُحذّرون طهران من السقوط بسرعة في غياهب استفزاز دول الجوار، وبخاصة المملكة العربية السعودية، ويرون أن عليها أن تمزق بسرعة عمامات ملاليها، لتستنشق رؤوسهم الهواء النظيف، فتُدرك أن حجمها الحقيقي، في الوقت الراهن على الأقل، لن يزيده ململمتر واحد كل أموال الدنيا، وتكاتف كل استخبارات الحرس الثوري وحزب الله وجميع شيعة العالم، إنْ والوها وأيّدوها، وكل أجهزة استخبارات بوتين وبشار الأسد، بل وكل الخلايا الإيرانية النائمة في الخليج.
يُرجّح المراقبون الأوروبيون في هيئة الأمم المتحدة أن ملالي طهران لم يدركوا بعد مضاعفات ونتائج ومعاني ممارستهم فن إدارة الدم وإدارة الخراب، الذي لن يكون إلا لمصلحة الأساطيل الجائبة في المنطقة ومن حولها، بانتظار البلقنة “المقدسة”، التي لم يتبصّر ملالي طهران بعد أنها ستشطر بلادهم إلى ثلاث دول، على الأقل.
يُحذّر المراقبون الأوروبيون هؤلاء، المطلعون على مناقشات جدية فاعلة، تجري في أروقة هيئة الأمم المتحدة، بشأن تحديد مستقبل إيران، كياناً وديموغرافية، من أن ملالي طهران لن تُعزّز مواقفهم محاولاتهم الصاخبة بقول وفعل أي شيء يوحي للغوغاء والبسطاء بأنهم أقوياء مُسيطرون، سيطرة كاملة، على مقدرات حياتهم وعلى العالم المحيط بهم.
على هذا الصعيد، يُسفّه هؤلاء المراقبون المحاولات الإيرانية المتشنّجة المُتهالكة المُستميتة، لزعزعة استقرار المملكة العربية السعودية، من قبل خلايا مرتبطة بولائها المالي - العقائدي مع طهران، ومعروفة أسماء أعضائها بالتفصيل لدى المنظمات المتخصصة في الأمم المتحدة..
يُحمّل المراقبون الأوروبيون إيران مسؤولية استدراجها دول الجوار، ولا سيما المملكة العربية السعودية، إلى الفتنة المذهبية، التي ستتصدّى، والدول الكبرى كافة، لطهران بردّ صاعق، لم يحسب ملالي طهران أي حساب له.
في السياق نفسه يسخر هؤلاء المراقبون من تهديدات طهران للدولة العبرية، وكأن نظام ولاية الفقيه الفارسي يتناسى أن قوروش الفارسي، هو الذي أعاد اليهود إلى فلسطين، بعد السبي البابلي لهم.. ويتساءل هؤلاء المراقبون باستهزاء عمَّا إذا كانت طهران تُمسْرحُ عودة ً كوميدية ً إلى التاريخ وإلى اللاهوت.
وعن موقف طهران من الثورة السورية، يربط المراقبون الأوروبيون بين هذا الموقف بموازاة محاولاتها المرتبكة للتدخل في الشؤون الداخلية للمملكة العربية السعودية، كتعويض تأجيجي هروبي عن خسائرها الفادحة المتراكمة من تطورات الثورة السورية، التي بات ملالي طهران مجمعين على انتصارها، في الوقت الذي يُدركون أن خلاياهم المستيقظة في شرق المملكة العربية السعودية تعرّت كلياً ومصيرها إلى الخذلان، فالموت.
نظام ملالي طهران، يشرح المراقبون الأوروبيون، بوغت بالثورة السورية، وأنحى باللائمة مراراً على بشار الأسد، على هذه المباغتة. ويكمن تفسير ذلك بأن إيران ولاية الفقيه تؤمن بأن الحراك السياسي هو فعل مُحتكر لفئة معينة من البشر، وهم مؤيّدي ولاية الفقيه فقط، لذلك فإن الشعب السوري غير قابل للثورة.
لذلك، يرصد المراقبون الأوروبيون، فإن إيران تتبنى، عقائدياً وإستراتيجياً، نظرية تقول إن الثورة السورية هي مؤامرة جهنمية، بكل المقاييس، في جوهرها، لأن أهل السنة في العالم مرتبطون، سياسياً وإستراتيجياً، بالولايات المتحدة وبأوروبا (!!؟؟)، وثورتهم في سورية هي في غاية الخطورة، لا سيما عندما تحاول أن تعصف بإيران وأصدقائها.
لكن إيران، في الوقت نفسه، يُوضح المراقبون الأوروبيون، تنظر إلى الثورة السورية على أنها أزمة أعمق وأكبر وأخطر من أي تصور، وهي أزمة إقليمية دولية مُعقّدة يُمكن أن تنتقل مفاعيلها إلى إيران، بالتحديد، عبر الهواء.
يُدلّل المراقبون الأوروبيون على أن الثورة السورية غيّرت صورة إيران، وطوّقت سياستها الخارجية بزيادة عزلتها دولياً، وخسارة تعاطف الرأي العام العربي، وأعادت إيران إلى مربّع المذهبية، التي كانت تتظاهر بمحاولة الابتعاد عنه. وهذا ما اضطرها للعودة إلى لعبتها القديمة الجديدة بتحريض فئة مرتبطة بالحرس الثوري وحزب الله في المنطقة الشرقية للمملكة العربية السعودية على أعمال استفزاز تهويلية، لا قبل لطهران بتحمّل مضاعفاتها، التي قد تكون أكثر من تراجيدية.
ويشعر المراقبون الأوروبيون بالغثيان حين يرون ملالي طهران ورجال النظام السوري يبذلون قصارى جهدهم، عبر النوافذ، وعبر الوسطاء، وفي الغرف السرية، وغرف النوم أيضاً، لإقناع واشنطن وباريس ولندن وبرلين وتل أبيب، بأنهم يخطبون ودّها ويسعون إلى صداقاتها وإلى ترسيخ التعاون معها، من أجل استقرار المنطقة.
ينصح المراقبون الأوروبيون، للتأكد من ذلك، العودة إلى محاضر المباحثات السرية الأمريكية - الإيرانية في برلين قبيل أشهر، ومحاضر المباحثات السرية الأمريكية - السورية بعيد الاحتلال الأمريكي للعراق، ومحاضر الحكومة التركية التي رعت المحادثات السرية “غير المباشرة” بين دمشق وإسرائيل.
يتساءل المراقبون الأوروبيون أخيراً:
هل يقتنع ملالي طهران بأن الإخفاق هو حليفهم الدائم في محاولاتهم المسّ باستقرار المملكة العربية السعودية، وبالتالي يتراجعون الآن، وفوراً، عن دعم وتأييد نظام بشار الأسد، بالمال والرجال والمعدات العسكرية، فيكون ذلك أفضل لهم من تسوية مُهينة.. مُهينة مع الرياض؟
Zuhdi.alfateh@gmail.com