الأسباب العلمية لحدوث الزلازل والبراكين وغيرها من الظواهر الطبيعية معروفة.. ولكن هناك - فيما يبدو - اسباباً أخرى لا علاقة لها بما قرأناه في كتب الجيولوجيا والفيزياء والعلوم الطبيعية..!
على سبيل المثال، يرى الحاخام الأكبر للإسرائيليين الشرقيين أن الهزة الأرضية التي تعرضت لها فلسطين المحتلة هي بسبب غضب الله على الساسة الذين يحاولون تجنيد المتدينين. ويتهم الحاخام الساسة بأنهم يعادون التوراة ويعادون المتدينين، ولأن ذلك يغضب الله فقد حدثت الهزة الأرضية.
الرسالة، بالطبع، واضحة.. فالحاخام يريد أن تتمتع الشريحة التي ينتمي إليها، وهي شريحة المتدينين، بمزايا واستثناءات لا تحصل عليها الشرائح الاجتماعية الأخرى.. وهو يستخدم السلاح الديني «الفتاك»، وهو غضب الله، لكي يخيف الأصوات الأخرى.. فلا أحد يتحمّل غضب الله، ولا أحد يريد أن تحدث الزلازل والهزات الأرضية.
وقد يتصوّر البعض أن المجتمع الإسرائيلي «العلماني» بمنأى عن إملاءات الفئات الدينية اليهودية، وهذا غير صحيح.. فالعلمانية الإسرائيلية تقف عند حدود معينة.. وقد بلغ من قوة التيارات الدينية في هذا المجتمع «العلماني» أن الأحزاب السياسية الدينية تتحكم - في كثير من الأحيان - في توازنات التشكيلة الحكومية. وقد كتب رئيس الوزراء الأسبق مناحيم بيجن في بعض مؤلفاته أن الدين هو الذي يحفظ الثقافة اليهودية واستمراية الدولة.. وهذا أيضاً رأي أستاذه الشهير فلاديمير جابوتنسكي رغم أنه علماني صرف..!
وهكذا يتم توظيف العامل الديني حتى في المجتمعات العلمانية وذلك بمستويات متفاوتة بالطبع، فليست طروحات جابوتنسكي على سبيل المثال هي بفجاجة طروحات الحاخام الأكبر لليهود الشرقيين «شلومو عمار» لناحية استغفال الناس وتوظيف المشاعر الدينية لتحقيق امتيازات للفئات الدينية.. ولكن يظل هذا كله توظيفاً دينياً.
وفي أمريكا نفسها توجد مجموعات دينية تعيش على ترويج الخرافات، بما في ذلك الحديث عن النهاية القريبة للعالم ومعركة «أرماجدون» الكبرى التي سينتصر فيها الخير على الشر، حيث يكون المسلمون - وفق هذه الروايات - هم الطرف الذي يمثّل الشر.
ومع كل هذا التوظيف تظل إسرائيل في مقدمة دول العالم في الإنفاق على العلوم والبحوث والدراسات، حيث تنفق ما يصل إلى 4.7% من ناتجها المحلي الإجمالي على البحث العلمي.. وهو الرقم الأعلى في العالم..! وقد أصبحت إسرائيل دولة رئيسية في الصناعات الإليكترونية والعسكرية المتقدمة.
هي توظّف الخرافة من أجل تعبئة النفوس والعواطف في سياق ترسيخ أركان الدولة العبرية المستمدة من نصوصهم الدينية.. لكنها لا تراهن على أي مفاهيم خرافية عندما يتعلق الأمر بأولويات برامجها كدولة مدركة لدور العلم الحديث في حسم المنافسة والصراع مع الآخرين.
ربما يحمل هذا درساً لكل من يريد أن يتعلم..!!
alhumaidak@gmail.comص.ب 105727 - رمز بريدي 11656 - الرياض