حينما نعشق الأرض ونهيم بها وجْداً ونذوب بالسفر منها شوقاً لها، برغم صحرائها القاحلة وحرها اللافح وبردها القارص؛ فلا يعني أن ذلك العشق يمتد لسكانها من البشر ولا أن نميزهم عن غيرهم، ونرجح أفعالهم ونعتقد الصلاح في أخلاقهم، فالبشر متبدلون متغيرون! بينما يبقى الهيام بالأرض يمخر عباب القلب ويحدث بها جداول من الانتماء.
وحين أتحدث عن نجد، التي تفتحت عيناي على توحشها اللطيف! فمشاعري ليست بدعا، حيث يشاركني سكانها ذات الأحاسيس، فقد أخذوا من جبال طويق الأنفة وشربوا من صحراء المستوي والنفود الأمل بغد مفعم بالتفاؤل.
وقد ساءني وحز في نفسي مَن جعل أهل نجد نافلة بالصلاح والتقى على بقية سكان المملكة بل وعلى كافة سكان المعمورة! حينما ميزهم ووصفهم بالفرقة الناجية التي ستدخل الجنة دون سواها!! وقد ضيق واسعا. فرحمة ربنا أشمل من ضيق أفق بعض البشر!!
إن الغلو والتطرف المناطقي في المشاعر يحدث شرخا في جسد الوطن، ويمزق نسيجه الذي دأب المخلصون على رتقه كلما انخرق من لدن فئة تستمرئ الفتنة وتتلذذ بالفرقة!!
إن قوة الدول وعظمتها يأتي من شدة انتماء شعوبها لها بعيداً عن المذهبية والعرقية والمناطقية وحتى الاتجاهات الفكرية بحيث يتجانسون وتذوب الفروقات بينهم حينما تحل ببلدانهم نازلة أو تداهمهم واقعة.
وقد عاشت بلادنا ألوانا من الإرهاب تم القضاء عليها بفضل الله ثم تدفق المشاعر الوطنية التي جمعت شعبه تحت راية التوحيد والوطنية. ولا أحسب أن مواطنا مخلصا عاش في شمال المملكة الغالية لا يكنّ المشاعر الطيبة لمواطن في جنوبها، ولا أشك في عاطفة متدفقة في مواطني المنطقة الشرقية تجري نحو أبناء غرب المملكة. أما المنطقة الوسطى فلا تقتصر على النجديين القدماء قبل التوحيد، فبرزخها قد هوى وأصبحت بحور شرق وغرب وشمال وجنوب المملكة تصب في مرجها حد الامتزاج. ذلك الامتزاج الذي كان ذا أثر إيجابي في السكان، حيث تعرفوا على الحضارة وتقاربوا مع غيرهم وألفوهم وأحبوهم. حيث تجد سكان الحي الواحد في مدينة كالرياض تضم من أهل تثليث والخبر والبكيرية والأرطاوية والسليل وظلم وبيشة. وترى (اجتماعات الجيران الدورية) تنشط فتزيد من إيقاع التآلف والمحبة، فتقوى بالصداقة وتشتد بالنسب.
أما من يأتي ليثير نعرات جاهلية، ويذكي لهيب القبائلية والمناطقية؛ فإنه لا يعدو أن يكون جاهلا بفكره مهما حصل على شهادات عليا لم تهذب خلقه ولم تعمِّق ذهنه حينما لم يتأسَّ بسيد المرسلين الذي احتضن الفارسي سلمان والحبشي بلالاً وصهيبا الرومي مثل أبناء قريش وأنصار المدينة من الأشراف والوجهاء.
وإن لم يؤخذ على أيدي سفهاء الفرقة، ومثيري النعرات فقد نجد أنفسنا في ظلمات الفتن، ودهاليز الانقسام بعد أن جمعتنا شريعة سمحاء، وأرض معطاء.
rogaia143@hotmail.comTwitter @rogaia_hwoiriny