في أي مدينة من هذا العالم، غنية كانت أم فقيرة، رزقها الله - سبحانه وتعالى - بنعمة الأمطار والمساحات الخضراء أم لم يرزقها، فإن “التشجير” يبدو السمة الظاهرة التي تهتم بها كل الدول.
وإن كنا في بلادنا نعاني المناخ الغباري في بعض المواسم، ومع التغيرات المناخية التي يشهدها العالم، والتي لم نصنع لمواجهتها الوعي الكافي حتى الآن، فإن المناخ الغباري صار ملازماً لنا في كل المواسم وطوال أيام السنة، وقد لاحظت - على سبيل المثال - في مدينة الرياض أنه خلال العامين أو الثلاثة الأخيرة بات الغبار يتحدى الأمطار في فصل الشتاء، وهذه ظاهرة مناخية جديدة تحتاج إلى بحث المختصين وإيجاد الحلول.
ومع أنني من غير المختصين في هذا المجال إلا أن إثارة القضية واجب إنساني ووطني؛ لأن هذه المشكلة عامة، وتحتاج منا جميعاً إلى المشاركة في طرحها، ووضع المقترحات التي في النهاية تعود إلى موافقة المتخصصين في إمكانية وشكل تطبيقها. ولأقترب من هذه الفكرة أكثر سأتخذ العاصمة الرياض مثالاً لتمرير الأفكار التي أود طرحها، لسببين: الأول، أنها مدينتي التي وُلدت بها، وأعيش في كنفها. والسبب الثاني، لأهميتها كونها العاصمة وهي - تقريباً - الأكبر مساحة والأكثر ازدحاماً من حيث عدد السكان.
في رؤيتي المتواضعة، فإن كثرة الأراضي الفضاء أحد محركات الغبار في ظل التمدد الأفقي الذي تشهده العاصمة؛ حيث تتزايد مساحات الأراضي المهجورة، ويقل الغطاء النباتي في الأحياء الجديدة. فلو نظرنا إلى حي “الملز” - وهو من الأحياء القديمة - فإن مساحة التشجير بين شوارعه مقبولة؛ لأنه في السابق كان هناك اهتمام بمعنى وأهمية “الشجرة”، التي تمنح المكان رئة نقية، وتساهم في فلترة التلوث. وبحسب الإحصائيات المنشورة في الصحافة المحلية فإن 77 % من مساحة مدينة الرياض أراضٍ تذر الغبار على صدور الناس وعيونهم، وتملأ الأطفال أمراضاً قبل الكبار، والمستشفيات وأقسام الطوارئ وحالات الربو وأقسام الأورام وغيرها من الأمراض أبرز الأدلة على أن الأمراض بدأت تنهش في أجسادنا بسبب الغبار ومشتقاته، وما يتسبب به من تلوث بيئي لم يتم الالتفات إليه - للأسف - في وسائل الإعلام؛ لأن هذه القضية قد لا تكون من القضايا المثيرة التي تخلق الجدل، وليست مغرية للباحثين عن الإثارة. وفي حسابات سريعة أجريتها عبر محرك البحث قوقل وجدت أن ما كُتب مثلاً حول مشاركة المرأة السعودية في الأولمبياد خلال شهر واحد يتجاوز بكثير ما كُتب حول الوعي البيئي وخطورة مرحلة التغيرات المناخية والأتربة على الإنسان في ثلاثة أعوام! ولو سألت أي شخص - وإن كان طفلاً - عن الموضوع الأول سيتحدث عنه بكل طلاقة، فيما لن تكون لديه أي حصيلة من المعلومات عن الموضوع الثاني!
خلاصة القول: إن الضريبة الواردة في الأخبار الأخيرة الصادرة عن مجلس الشورى ضمن تطوير نظام الزكاة، بفرض نسبة تتراوح ما بين 15 و20 % على الأراضي البيضاء، بلا شك سترفع من سعر العقار، وستزيد من أزمة السكن تعقيداً قبل هذا النظام، سواء تم تطبيقه أم لم يتم؛ فإنني أقترح أن يتم فرض تشجير هذه الأراضي على ملاكها، بما يتوافق مع بيئتنا الصحراوية، وبأشجار لا تستهلك كثيراً من المياه، وهذا بحد ذاته سيساهم عبر سنوات قليلة في الحد من مشاكل كثيرة صحية وبيئية، وسيقلل - بمشيئة الله - من هذه الأمراض المخيفة الناتجة من التلوث والأتربة، التي صارت تُباغت الصغار والكبار دون معرفة أسباب واضحة لها. مع العلم أن بعض مُلاك هذه الأراضي لا تنقصهم المادة، وليسوا تجاراً، وإنما أثرياء ومستثمرون على المدى الطويل، وربما لن يؤثر فرض ضريبة على قرارهم بالبيع؛ لذلك من حقنا نحن السكان الاستفادة من هذه الأراضي بيئياً وجمالياً.
إن تشجير الأراضي البيضاء يجب أن يكون ضمن برامج المسؤولية الاجتماعية، التي انتشرت في كثير من القطاعات عدا تُجار العقار؛ لم نرَ منهم أي مشاركة من هذا النوع، والتشجير وإغلاق منافذ التلوث بالأغطية النباتية من أهم برامج المسؤولية الاجتماعية؛ فهو مسؤولية إنسانية ووطنية، وواجب لا يُفترض التهاون في تأديته.
www.salmogren.net