سعى إلى تأجيج فتنة، وأعلنها دعوة صريحة إلى إثارة فرقة، فأطال لسانه بالتهم الباطلة، والطعون الظالمة، ثم أرغى، وأزبد بكلام مؤذ في خطبه، ومحاضراته. ووصف بلادنا، وولاة أمرنا، وعلماءنا بأبشع الأوصاف، وبأسلوب الفجاجة، والغلظة، وبكلمات السوء، والمنكر، الأمر الذي يفتح باب التأليب عليهم، ويجر ذلك من الفساد العظيم ما الله به عليم، ولا يعود على الناس إلا بالشر المستطير.
مع الأسف فقد كان لا يخشى في الباطل لومة لائم، دون أن يتذكر، أو يخشى، فكثرت تناقضاته، وزادت اضطراباته عندما عبث بعقول العامة، ونشر الفرقة في جسد الأمة، وسمعنا منه ما يصمّ الآذان، ويشجي القلوب، مستعملا الكذب، والوشاية، والتزوير.
عندها -فقط- يكون الاتصاف بهكذا خلق ذميم مع ولاة الأمر من علامات الخوارج.
اتسع حلم الدولة في رجوعه إلى الحق؛ علّه يعود إلى الاجتماع، وينهى عن الفرقة، مع أنه لم يضرّها ما كان يتفوه به من براثن حاقدة، ومخالب حانقة؛ ليتجاهل خيرات وطن مدّ له يد المعروف، والوفاء، بل كانت تستطيع محاكمته؛ لمبادئه المهترئة، وإهانته المتعمدة، وانحرافه الكبير، وخطره العظيم، ويكفي في ذلك جرما؛ تحقيره لولاة أمره، والحط من شأنهم، والعمل على هتك سترهم، والعبث بوحدة وطن، وفق ما يخدم مصالحه.
كان بإمكانه أن يقدم لوطنه نموذج العطاء الصالح، وأن يسلك بها السبيل الأسلم، الذي يحقق بها معنى طاعة ولي الأمر، وأن طاعته خير من الخروج عليه؛ لما في ذلك من وحدة الصف، وجمع الكلمة، وحقن الدماء، وتسكين الدهماء؛ ولما في الخروج عليه من شق عصا المسلمين، وإراقة دمائهم، وذهاب أموالهم؛ لكنه كان أبعد الناس من الإخلاص، وأغشهم للأئمة، والأمة، وأشدهم بعدا عن جماعة المسلمين؛ ليهدم شوكتنا، ويضعف قوتنا، ويخدم أعداءنا.
وعليه، فإن مصالح الدنيا، والآخرة، وجمع أصول الدين، وقواعده، لا تنتظم إلا بلزوم جماعة المسلمين بعد كلمة التوحيد، ومناصحة أولي الأمر. وهذا هو الطريق الأسلم، والمنهج الأوفق، والأمر الذي كان عليه سبيل الدعوة أيام الرسالة. بل إن منهجا كهذا، هو من عزائم الدين، ومن وصايا الأئمة الناصحين. أليس التاريخ حفظ لنا قول أحدهم: “إذا رأيت الرجل يدعو على السلطان؛ فاعلم أنه صاحب هوى، وإذا سمعت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح؛ فاعلم أنه صاحب سنة إن شاء الله”!.
drsasq@gmail.com