ليس جديداً القول بأنّ الرياضة السعودية والنشاطات الشبابية تمر بأزمة حقيقية على كافة المستويات. ولعلّ تصريحات الرئيس العام لرعاية الشباب مؤخراً بعد نتائج المنتخب السعودي المتواضعة، تؤكد وتجسِّد جزءاً من تلك الأزمة، حيث جاءت تصريحات عمومية تدعي تحميل الجميع المسؤولية وتميل إلى تحمّل الإعلام والأندية مسؤولية أكبر.
نعم المنتخب أو المشاركة في أي بطولة للقدم أو غيره وكل ما يتعلّق بالنشاط، ما هو إلا نتاج لعمل منظومة عامة، لكن الحقيقة التي يجب أن يدركها القائمون على الرياضة والشباب هي أنّ لدينا مشكلة رئيسة في قضية الكوادر بدءاً من الكوادر الإدارية القيادية المتخصصة.
دائماً يتكرر الحديث عن مرحلة الراحل سمو الأمير فيصل بن فهد وما حققته فترته من إنجازات، لكن الواضح أنه لم يتم دراسة أو استيعاب مفتاح تلك الإنجازات. حينما بدأت رعاية الشباب أدرك الراحل أنّ لديه إشكالية في قضية الكوادر المؤهّلة، فما كان منه إلاّ أن استعان بكوادر عربية متميّزة (في حينها) وبكوادر إدارية مرموقة من خارج جهاز رعاية الشباب وفي الابتعاث والتدريب للكفاءات السعودية القيادية في أرقى المدارس العالمية. تلك الكفاءات التي استثمر فيها الأمير فيصل فهد كانت معدودة وتناسب تلك المرحلة، لكن مرحلة الـتأهيل لكفاءات أخرى جديدة توقفت، فأصبحت الكفاءات غير قادرة على مواكبة التطور، إما بسبب السن أو بسبب عدم وجود الصف الثاني الذي تعتمد عليه أو بسبب الترهّل الإداري. لذلك لم تحقق إنجازات في السنوات الأولى ثم تحقق تقدم في سنوات لاحقة، لكن التقدم لم يستمر بسبب تغيّر إستراتيجية تأهيل وتمكين الكوادر المؤهلة والمتميزة.
عدم تأهيل كوادر جديدة يؤكده استمرار العديد من القيادات برعاية الشباب، حتى بعد بلوغهم السن التقاعدية القانونية، حيث اكتشفت قيادة رعاية الشباب وجود فراغ لا أحد يملأه من قيادات الصف الثاني أو هكذا توهّمت وأوهمت نفسها.
هذا الموضوع يجعلني أعيد تحذيري الذي أطلقته في هذا الشأن منذ العام 96م، حيث أشرت حينها إلى أهمية تطوير كوادر مؤهّلة للخدمة في مختلف مجالات الرياضة، بما في ذلك التدريب والإدارة في الأندية والصالات الرياضية وبيوت الشباب والمنتخبات وغيرها. اقترحت حينها إنشاء أكاديمية رياضية متخصصة تطبيقية في هذا الشأن، وبمناسبة الاحتفاء بالأمير فيصل حينها اقترحت تسميتها باسم «أكاديمية الأمير فيصل للعلوم الرياضية». حيث إنّ كليات التربية الرياضية معنيّة بتخريج تربويين للتعليم العام وليس متخصصين مهنيين تطبيقيين في المجال الرياضي. للأسف حينها أعترض على الفكرة بعض من رأوا في وجود الأكاديمية خطر على مواقعهم الإدارية. نفس الفكرة كررتها عند وفاة سمو الأمير فيصل بن فهد - رحمه الله - وقد تجاوبت الغرفة التجارية السعودية مع المقترح حينها واستعدت بتكاليف إنشاء تلك الأكاديمية المقترحة كتكريم لذكرى الراحل الأمير فيصل (عبر خطاب نشر بجريدة الرياض حينها).
أكرر الآن وبعد هذه السنوات بأننا بحاجة إلى كوادر متخصصة مؤهّلة وقادرة على العطاء في الجوانب الرياضية، فعلينا اختيار المناسب من الجامعات السعودية وفتح الابتعاث مرةً أخرى والتوجُّه نحو إنشاء أكاديمية متخصصة أو تغيير آلية وطرق التعليم بكليات التربية الرياضية القائمة لتكون تطبيقية. التدريب والإدارة الرياضية وتنظيم المعسكرات وغيرها من المهام الرياضية ليست مجرّد هوايات، بل علوم وقدرات وتخصصات. قدامى الرياضيين واللاعبين بدون تأهيل وعلم لن يساعدونا على التقدم للأمام. وكبار القيادات برعاية الشباب آن لهم أن يتيحوا الفرصة لأجيال أكثر مواكبة للعصر وقدرة على العطاء.
malkhazim@hotmail.com