ألا ما أكرم القائل:
بلادي وإن جارت.. عليّ عزيزة وأهلي وإن منوا.. عليّ كرام
حينما تكون لي إحباطات وتظلمات مؤقتة مع قومي ووطني وتاريخنا المشترك، هل يجوز لي أن ألجأ إلى موالات عدو يكذب ويداهن مع كل سحبة نفس، وأكبر همه الوصول بي إلى نقطة اللاعودة القطعية مع جذوري الأصلية؟. ألا يحسن بي أن أنظر إلى وضعي الخاص بنظرة شمولية وأقارن إحباطاتي وتظلماتي بإحباطات وتظلمات الآخرين، قبل أن أقرر الهروب إلى الأمام ورهن نفسي ومستقبلي في أحضان الشيطان؟ قاتل الله التحالفات السياسية المؤقتة القائمة على التكاذب المتبادل والتعلق بالأوهام والشعارات الاستعدائية، خصوصاً إذا أتت من عدو تاريخي لا أستطيع ابتلاع أكاذيبه وإغراءاته إلا بخداع النفس والتعلل بالأوهام!
كل الساسة يحاولون البراعة في ممارسة التكاذب المتبادل، لكن بعضهم يكذب على المكشوف، ولا يستطيع من يستعمل عقله ومقارنة أولوياته بأولويات الأجنبي الكاذب أن ينخدع ويتبع سراب الأحابيل السياسية. ليس بين السياسيين الكذبة الأحياء من هو أكذب من بنجامين ناتانياهو وفلاديمير بوتين وأحمدي نجاد وبشار الأسد.
بنجامين ناتانياهو يدير سياسة دولة قامت منذ البداية على الافتراء والكذب وتزوير التاريخ، والمتوقع أنه مع كل الإسرائيليين الصهاينة لا ينام ليلة قبل أن تطحنه احتمالات زوال إسرائيل في المستقبل.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضابط استخبارات غامض ومنزوع الإحساس الإنساني، قدم لدولته خدمة وطنية في فترة حالكة من تاريخها القومي، لكنه أفسدها بلعبة التوريث المتبادل بينه وبين أحد أتباعه. لجأ إلى الكذب وتزوير الانتخابات الرئاسية، وإلى إرهاب واحتجاز واغتيال المعارضين السياسيين. يطلق عليه الروس حالياً اسم قيصر روسيا القصير الرهيب. تشبث الرئيس الروسي ببقاء نظام بشار الأسد في سوريا لا يحمل شيئاً يستحق المصداقية، وقائم على الخوف الدفين من تضاؤل نفوذ إمبراطوريته وامتداد الاحتجاجات الشعبية إليها. لذلك هو رئيس يبني كل سياساته الداخلية والخارجية على الكذب والإرهاب والابتزاز.
أحمد محمدي نجاد رئيس وزراء إيران يقول إنه يتخاطب مع الإمام الغائب المهدي المنتظر، ويدغدغ أحلام الشيعة خارج بلاده بالانتصار على قوى الاستكبار، بينما يزور الانتخابات الرئاسية في إيران ويسحق المعارضين. يتظاهر أمام العرب سنة وشيعة بأنه يمثل الطهارة الإيرانية ومستقبل الإخاء الإسلامي المشترك، بينما هو يرأس دولة قننت في دستورها بالنص مواصفات رئيس الدولة مشروطة بالتشيع المحدد بالمذهب الاثني عشري، متجاهلاً حقيقة أن نصف سكان إيران من السنة العرب والبلوش والأذر بالإضافة إلى البهائيين والزرادشتيين واليهود. هذا الرئيس الفارسي المتعصب يدغدغ بعض المغفلين العرب بأحلام الإخاء الإسلامي وهو القائل أن المنكرين ملكية إيران للجزر العربية الثلاث مجرد أقوام بلا حضارة، متناسياً أصول اسمه الثلاثي العربية. محمد أحمدي نجاد يكذب في ادعائه مخاطبة المهدي المنتظر، ويكذب في نتائج الانتخابات الإيرانية، ويكذب على الشيعة العرب بالعراق والخليج وسوريا ولبنان، وسوف يبيعهم بأبخس الأثمان مقابل أية صفقة مستقبلية مع الشيطان الأكبر وإسرائيل.
على من استخفته الأوهام بعكس ذلك أن يعيد النظر في قدراته التحليلية وفي محطات التاريخ العربية الفارسية منذ بداياتها الأولى حتى اليوم. الرئيس السوري المؤقت بشار الأسد ورث الحكم الجمهوري من أبيه بتزوير الدستور وبالاحتماء خلف العصبية المذهبية الطائفية. هو يعرف ذلك ويؤرقه هذا الإدراك في الليل والنهار. بشار الأسد استلم الحكم بالتزوير والكذب عن عمد وتخطيط، ويقدم أحداث الثورة الشعبية على حكمه على أنها مؤامرات خارجية. يكذب في أعداد القتلى والجرحى والمعذبين والمخطوفين، ويستمر في تعليق الآمال الكاذبة على الكاذبين مثله في إيران وروسيا وإسرائيل. مثلما زال الطغاة في ليبيا ومصر وتونس واليمن، ومثلما سقطت الشيوعية في روسيا، سوف يزول الطغاة في سوريا وروسيا وإيران برغبة شعوبهم. الشعوب لم تعد تستطيع التعايش مع الكذب المتزامن مع القتل والتجويع وتقييد الحريات والبؤس الاجتماعي الشامل.
أيها المتحالفون مؤقتاً مع موسكو وطهران أينما كنتم، في سوريا والعراق ولبنان والخليج، بئس الحليفان اخترتما. إنهما زائلان لا محالة، وعليكم التفكير منذ الآن في النتائج قبل فوات الأوان.
- فيـينا