أحيانًا نعتنق أفكارًا معينة ونحفّها بكثير من الأغشية ونرسم حولها الهالات ونضفي عليها أبعادًا يقينية قطعية تنأى بها عن الطابع الاجتهادي المحض ونتصور أنها متعالية يتعذر أن تطالها أدوات التشريح!
بيد أن تعاظم مستوى آفاق الوعي والاحتكاك المباشر بمفردات الحياة ومعاناة أسئلة الفكر المتولدة تناسليًا باستمرار كثيرًا ما تُوْقفنا على تواضع منطقية تلك الأفكار وعدم قدرتها على الصمود في وجه عمليات الحفر التمحيصي الشأن الذي يملي دومًا مراجعة الأفكار وابتلاء مصداقيتها وبالتالي تفادي ما قد يجره علينا الانسياق خلفها من إشكاليات منهجية يفترض تحاشي الوقوع في مأزق فخها.
مبدأ المراجعة لمسارات الأفق الذهني مطلب جوهري يتيح الانعتاق من ربقة الأفكار الدونية المجافية لمسلّمات التفكير الرشيد، بيد أن مفردة (مراجعة) تبعث على حساسية بالغة في بعض الأوساط وتواجَه بقدرٍ من الارتياب باعتبار أن المشتغل عليها قد قفل ناكصًا عن المنهج الحق وآب عن السبيل السوي وإصابته لوثة مُوبقة مرشحة للاتساع!
ثمة خلط جلي بين المراجعة وبين الرجوع النكوصي على الأعقاب فإذا كان ذاك مبدأ يجب اعتماده، فإن هذا خلل يفترض تحامي الالتياث بإرهاصاته.
إذا ما أردنا لمنهجيتنا العامَّة النضج والارتقاء فإن علينا أن نمنح أهمية إضافية للمراجعات لكسر رتابة الفكر والتحرر من نمطيته وتعريض الوعي لنسمات الهوى المعرفي المتعدد.
الوعي المفتون بالسكون يرى أن (الرجال عند كلمته) ولذا فهو يأنف من المراجعة ويعشق الانهماك في دوائر التقليد مما يُبقى أُفُقه شديد المحليّة ليس بمقدوره بناء أبنية مفاهيمية قشيبة أو إبداع آليات حديثة للحركة إذ هو غارق في حمأة جمودٍ آل إلى إطفاء جذوة الفاعلية وإخماد بواعث الانبعاث.
هناك من بينه وبين المراجعة نوع من العداء فهو يناصبها الشنآن، الشأن الذي كان له انعكاس عظيم الأثر على التركيبة الذهنية التي أخذت في التآكل وبدأ تداعيها يأخذ مجراه، فالرؤية الفكرية صلّبها التقادم الزمني، والأُطرالمعلوماتية دبت فيها أعراض الشيخوخة وهو مع كل ذلك ونتيجة لتواضع الزاد الخبراتي يعتقد أن الثبات والتأبي على التجديد برهان جلي على انضباط إيقاع حركة الذات وقوة الشخصيّة الثقافية ومتانة ملامحها!.
abdalla_2015@hotmail.com