جاري جامبل

ربما يعتقد البعض للوهلة الأولى أن قادة النظام السوري يمكن إقناعهم بالتخلي السلمي عن السلطة، حيث إنهم لا يمكن أن ينتصروا في تلك الحرب الأهلية التي تلوح بوادرها في الأفق، فالغالبية السنية غير الممثلة في نظام الأسد لديهم عدد سكان يفوق خمسة أضعاف الطائفة العلوية الذين يحتمي بهم الأسد، والتي تسيطر على أهم مفاصل الحكومة وتدير الأجهزة الأمنية المنوط بها الدفاع المستميت عن النظام، أما الثوار فمحاطون بدول متعاطفة معهم ، لذا فإن الثوار يكسبون أرضًا يومًا بعد يوم ويصبحون أكثر قوة وسينتهي بهم الأمر إلى أن تكون لهم اليد العليا في النهاية، فالاختيار بأن يستمر النظام وأقطابه في القتال حتى النهاية المحتومة هو خيار قاتم ودموي للغاية، فالمنطق يقول بأنهم ربما يرغبون قبيل النهاية في الخروج السلمي الآمن بضمانات وبحصانة من المحاكمات وعدم محاسبتهم على أعمالهم الإجرامية، بالإضافة إلى مغريات مادية أخرى. ولكن من الناحية العملية من المستحيل تقديم وعود حقيقية لحماية أولئك الذين لا يزال لديهم الوسائل والرغبة في إعاقة التحول السلمي؛ فكل شخص يتمتع بسلطة الآن داخل نظام الأسد فإنه أحد الملوثة أيديهم بالدماء ومن الصعب أن يعيشوا بأمان في سوريا بعد التخلي عن السلطة، بصرف النظر عن أي ضمانات رسمية يمكن أن تقدم لهم. كما أن هناك آلاف آخرين لعبوا دورًا أكثر تواضعًا في الحكومة أو استفادوا بصورة غير عادلة من النظام، فأولئك سيواجهون أيضًا مخاطر حقيقية عندما تتهدم جدران النظام من حولهم، فسقوط نظام صدام حسين في العراق أدى إلى عدة مئات من حالات الإعدام خارج نطاق القضاء على يد العراقيين في غضون عام، الكثير منها تم بصورة منفردة للانتقام من المسئولين والضباط من ذوي الرتب المنخفضة عبر البلاد، وكل ذلك تم بالرغم من وجود قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة، وهو جدار ناري ربما لن يحظى به المسئولون السوريون. وبالرغم من أن المسئولين من ذوي الرتب المنخفضة في النظام يمكن أن يختفوا في الخارج، إلا أن عددًا محدودًا من البلدان ربما سيقبل باستضافة الأسد وزمرته ويأمنون فيها سواء من التسليم إلى المحاكمات أو من الاغتيال بمجرد أن تنفد من بين أيديهم أوراق المقايضة التي يمكن أن يقدمونها إلى مضيفهم في المقابل. العلويون السوريون ليس لديهم أي حليف طبيعي خارجي تجمعهم به روابط تاريخية وثقافية يمكن أن يقدم لهم المساعدة والملجأ في حال الأزات. فبغض النظر عن حجم التسهيلات التي يمكن أن يقدمها الروس للأسد لتسهيل خروجه، من المؤكد أنهم سيرغبون في إعادة بناء الجسور مع العالم العربي السني بمجرد انقشاع غبار المعارك، وبعد سنوات من الآن، فحتى طهران يمكن أن تصبح ملاذًا غير آمن ولا يمكن الاعتماد عليه.

بالنسبة للأسد فالبقاء والقتال حتى النهاية المريرة لا يعني الغرق مع السفينة، فعندما يأتي اليوم الذي لا يستطيع فيه أن يمنع سقوط دمشق، فإن مؤيديه يمكن أن ينحازوا إلى المناطق العلوية في الجبال وفي السهول الساحلية لشمال غرب سوريا، أما إيران، والتي يمكن أن تفضل سوريا مقسمة عن سوريا موحدة ولكن معادية، سوف تسعد باستمرار إمداد العلويين بالسلاح والمال، وحتى بوجود دعم خارجي للمعارضة السورية، فإن قوات الأسد والشبيحة يمكن أن يستمروا في القتال حتى سنوات، فبعد عقود من تدخلهم في الحالة اللبنانية أصبح لديهم المهارات المثالية للتعايش في سيناريو سوري على غرار الحرب الأهلية اللبنانية.

وحتى اللحظة ربما لم يفقد ديكتاتور سوريا الأمل في تجنب السيناريوهات الأسوأ، بالرغم من أنه بالطبع يستعد لها جميعًا، فقد بدأ الشبيحة بقيادة أقاربه وأفراد عائلته بتكثيف انتشارهم وأصبحوا يضطلعون الآن بدور أكبر في مقاتلة الثوار، وبخاصة في القرى السنية وفي الأحياء الحضرية المتاخمة للتجمعات العلوية.

عندما يحين الوقت المناسب فإن الأسد لن يجد صعوبة في حشد العلويين (وكثيرين آخرين من غير السنة) خلف تقسيم سوريا إلى كانتونات. وبعد الفظائع التي ارتكبها النظام في العقود الأربعة الأخيرة فإن مخاوف العلويين من انتقام دموي ستكون مخاوف لها ما يؤيدها، وتلك المخاوف يمكن استغلالها أيضًا للحشد في الحرب القادمة، كما أن النظام استطاع في سنوات حكمه أن يقمع الأصوات المستقلة داخل طائفته العلوية، وكذلك قام بتدمير مختلف المؤسسات الاجتماعية على مدار السنوات الماضية، لذا فإن المجتمع السوري ليس لديه القدرة على الاحتشاد حول بدائل للأسد ونظامه، الذي يبدو أنه، في كل الأحوال، يقود بلاده إلى الهاوية.

* (ناشيونال بوست) الكندية