فيه ناس لديهم نهم عجيب للألقاب وهواية لجمعها من كل مكان وإسباغها على أنفسهم وكتابتها في سيرهم الذاتية لتقديمها عند الحاجة حتى ولو كان مصدرها من جهات مجهولة وغير معروفة. ليس مهما لديهم الجهة ولا المصدر لأنهم يعرفون أن الناس مشغولة وما فيه أحد سيتعب نفسه بالبحث والتنقيب والسؤال عن تلك الجهات ولا أماكن وجودها إن كان لها وجود أصلا وإن كان لها مقر لأن معظم المؤسسات والمنظمات والجمعيات والاتحادات التي نسمع عنها ليست أكثر من أسماء يتم تداولها في الإنترنت، أغلب من يلهثون وراء الألقاب الوهمية يدركون أن الجهات الرسمية لن تنظر فيها ولن تعتمدها لذلك يكتفون باستخدامها عند حديثهم لوسائل الإعلام ولقاءاتهم الفضائية إذ تزين أسمائهم عادة تلك الألقاب، كخبير وناشط وباحث وعضو ووسائل الإعلام إن كانت مقروءة أو مسموعة أو مرئية لا تدقق في تلك الألقاب والمتلقي لا يدري عن الخبايا. هناك اتحادات وجمعيات ومنظمات قارية وعالمية يتم ترشيح أعضائها عن طريق الدول وتصدر بتلك الترشيحات أوامر وقرارات من القيادات العليا وهذه لا غبار عليها ولا ضباب فيكفي أن المرشح متخصص وخبير في مجاله وهو في النهاية ممثل للدولة التي رشحته. في مقابل تلك المؤسسات ذات المصداقية العالية - وهي قليلة وعندما تبحث عنها فكأنك تبحث عن إبرة في كومة قش - يوجد آلاف المؤسسات الضعيفة وهي اتحادات ومنظمات وجمعيات تستجدي الأعضاء للتسجيل فيها مع منحهم بطاقات العضوية لأن هدفها في النهاية مادي بحت وتبذل كل جهودها لجلب المال من جيوب اللاهثين وراء هواية جمع الألقاب.

تردني كل شهر وعلى بريدي الإلكتروني عشرات الرسائل من اتحادات وهيئات تعرض فيها العضوية شريطة المبادرة بدفع الرسوم وهو طبعا الشرط الرئيسي لأنك إذا دفعت فستذلل أمامك كل العقبات وتسهل لك بقية الشروط وقد تحذف، والشروط الباقية سهلة ومقدور عليها فإلى جانب دفع الرسوم وهي بالتأكيد رمزية مطلوب صورة من الهوية الوطنية أو جواز السفر وورقة من العمل أو المرجع وتعبئة نموذج العضوية، وأخيرا موافقة مجلس الإدارة وهو إجراء شكلي، لو تجاوبت مع تلك الرسائل لأصبحت وبلا غرور أو فخر عضوا أملك بطاقات عضوية في أكثر من خمسمائة مؤسسة في الشرق والغرب. لفت نظري في الفترة الأخيرة كثرة تداول هذه الألقاب وإطلاقها على أشخاص غير معترف فيهم من جهات رسمية في المملكة وغير متخصصين أحدهم يطلق تصريحاته تحت مسمى عضو الإتحاد العربي للفلك رغم أن رئاسة الأرصاد السعودية قد أشارت ضمنيا في أكثر من بيان عدم اعترافها به لأنه غير متخصص فالأولى بمثل هذا المدعي أن يكون عضوا في هيئات بلاده أولا ثم يبحث عن عضوية الإتحاد العربي بترشيحه من دولته. للتأكد بحثت عن مؤسسات مختصة بالفلك فوجدت معظمها خيرية أو بجهود أهلية وليست ذات مرجعيات حكومية فهناك الإتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك، وأصدقاء السنة الدولية لعلم الفلك، والوكالة الدولية لأخبار الفلك والفضاء.

هذه الفوضى ستستمر في ظل عدم التدقيق وضعف المتابعة من الجهات الحكومية ذات العلاقة، الناشط الاجتماعي لابد أن يرخص له من وزارة الشئون الاجتماعية، والحقوقي من وزارة العدل وهكذا وبدون هذا الإجراء ستتسع الدائرة في المستقبل ويستحيل العلاج.