سأوجه هذا السؤال للقراء باعتبارنا الآن بدأنا قطاف أول موسم الرطب: هناك مئات من الأنواع الرئيسية والمعروفة من الرطب.. هل يمكن تعداد عشرين نوعاً من أنواع الرطب مثلاً مع ذكر المناطق الرئيسية التي تنتجها في المملكة وأشهر نوع تتميز به كل منطقة من مناطق المملكة؟
هل يمكن تذكر نماذج من الصناعات الكبيرة والصغيرة التي يدخل فيها التمر وحجم تأثيرها الاقتصادي الفعلي؟ كم عدد العمليات الرئيسية والصغرى التي يمر بها التمر ليظهر (سبع عشرة عملية تمر بها كل نخلة قبل أن تطرح ثمرها كما أفاد أخي منصور وهو المهندس الزراعي والعهدة هنا على من قال لا من روى!) وكم تستهلك النخلة الواحدة من مياه (هائلة) لإنتاج الرطب؟ كل هذه حتى الآن أسئلة عامة وبسيطة يمكن للمواطن العادي (وليس المتخصص) أن يجيب عليها لكنني أشك في أن يتمكن على الأقل 80% من المستجيبين من معرفتها وأنا واحدة منهم حيث إنني لا أعرف الإجابات لمعظم تلك الأسئلة؟
المنتج الرئيسي الآخر هو: البترول الذي يُعد عماد الاقتصاد في بلادنا لكننا نجهل أي شيء عنه؟ اسأل أي مواطن أو مواطنة عن معنى البترول وما هي الطرق المستخدمة في استخراجه.. وماذا تفعل أرامكو في هذا الصدد وما هي المنتجات الثقيلة والخفيفة المعتمدة على البترول وما هي علاقته بالغاز وما هي الآبار الجديدة التي تم اكتشافها في المملكة في السنوات الأخيرة.. وغيرها وغيرها من الأسئلة التي يجب علينا كمواطنين نعيش آثار هذا البترول المادية في كل لحظة من حياتنا أن نعرفها.
فما هي الوطنية؟ الوطنية تعني أن أشعر بانتماء لكل ما يمت لهذه الأرض من منتجات وبشر وتراث ومبانٍ وأنشطة مادية ومعنوية.. أن أعرف أكثر من غيري (من خلال مؤسسات التعليم بشكل مباشر) عن أهم العوامل التي تؤثر في اقتصاديات هذا الوطن.. يحق لي أن أستمتع بمراوح الهواء التي تصنع الطاقة الكهربائية في بعض البلدان الأوروبية حين أراها في الصور ولا أفهم تاريخها مثلاً ولا المساحات والمناخ الذي تحتاجه فهي ليست من أرضي ولا جزء من خبرتي المباشرة على أرضي لكن لا أفهم أن لا تتمكن ابنتي لأنها من سكان المدن من فهم ماذا نعني بلب الشجرة وكيف تنمو النخيلات الصغيرة حول أمهن وأنواع النخيل ولا يمكن أن تعدد أكثر من خمسة أنواع من التمر ولم يحدث أن تسلقت نخلة أو خرصت تمرها ولا أظنها تتصور المراحل التي تمر بها (ثمرة) النخلة حتى تصبح تمرة؟ وهي ليست ملومة فهي لا تدرس مادة التربية الوطنية لأنها فتاة!!! والذين يدرسونها من الأولاد لا يستفيدون لأن محتواها لا يمت للوطنية بصلة.. لا توجد نخلة في المدرسة تتسلقها الفتيات وتشرح مدرسة العلوم أو حتى الدين ما له صلة بها.
الفكرة أن مواد التربية الوطنية يجب أن تعبر عن المحتوى الوطني الذي نريد أن يخلق انتماءً تدريجياً لهؤلاء الصغار لأرضهم ووطنهم ومقدراتهم الوطنية فيخافون عليها مثل ممتلكاتهم الخاصة.. ما الذي يجعل هؤلاء الشباب والكثير من الناس يتعاملون مع الممتلكات العامة وكأنها لا تخصهم بل يعمدون لسرقة محتوياتها وتخريبها متى تمكنوا من ذلك؟ ما الذي يجعل هذا المتطرف الصغير لا يقدر ما يحصل لقريته وأهله وشارعه ومليكه؟ لأنه لم يعلم ذلك في المدرسة؟ لأننا لم نربطه بصدق بتراث ومقدرات هذه الأمة بالشكل المباشر الذي يجعله منتمياً له ومدافعاً عنه.
حينما أستعيد سنوات دراستي.. أتذكر بأسى: كم أوجعتني هذه الأدلجة المذهلة التي نخرت وما زالت تدق أسنها في مناهجنا وفي كل المواد.. جعلتني هذه الأدلجة ولسنوات طويلة أعتقد أن محيطها هو نجد وهضبة نجد فقط ولم يتح لي أن أتعرف على التراث المحلي لمناطق هذه الجزيرة الشاسعة سواء في شمالها أو غربها أو شرقها أو جنوبها.. تمتلئ مناطقنا باللهجات والأكلات والرقصات والأهازيج الشعبية والوطنية فهل نعرف رقصة غير العرضة.. وهل نعرف أكلة غير الكبسة؟
أرجوكم حين يعود أبناؤكم إلى المدرسة بعد فصل الصيف.. حاولوا تدريس أطفالكم أنتم (بدون الاستعانة بمدرس خاص) وتأملوا كيف هي هذه المناهج المقدمة لهم لا ترتبط لا بالسعودية ولا بالبيئة ولا بما نحب أو نكره كسعوديين أو كبشر نعيش ضمن عالم كوني.. قد تعلمهم بعض المفاهيم الرياضية والعلمية واللغوية.. وهذا تطور كبير بعد التعديل الكبير الذي أحدثته وزارة التربية على المناهج.. لكن مناهجنا ما زالت بعيدة كثيراً عما يربط هذا الصغير بأرضه ووطنه ومليكه.. أطفالنا اليوم لا يقبلون ترديد العبارات بغباء كما كنا نفعل ونحن صغار.. إنهم يريدون تجربة مباشرة ومعرفة تربطهم بهذه الأرض التي سيساهمون في بقائها أو القضاء عليها بتعصباتهم وحروبهم الصغيرة المؤدلجة.. وللمسئولين في وزارة التربية رجاء راجعوا مناهج التربية الوطنية المقدمة للبنين.. ماذا يغلب عليها؟ ما هي محتوياتها؟ خذ السنة الرابعة الابتدائية نموذجاً وتأمَّل؟ هل ندرس مادة للتربية الوطنية فعلاً؟