ينبغي ألاّ نسمح للغرائزية الجيوبوليتيكية أن تضع يدها على ثقافات العالم.
الثقافات كلها، تقريبا، ينبغي أن تكون، على الأقل، في مستوى الاحترام نفسه.
نحترمها، ونحترم ما قدمته للإنسانية، ونُقرّ بأن كل ثقافة، مهما صغرت، تحمل في ذاتها إمكانية الكونية.
صحيح أن هناك ثقافات تطلّعت إلى الابتكارات التكنولوجية والعلمية.
صحيح، أيضا، أن الثقافة الأوروبية، والغربية، بشكل عام، هي الثقافة المُهيمنة (إذا صحّ الاتهام بأن الثقافة يمكن أن تحمل في جيناتها صفة الهيمنة) على الاكتشافات العلمية، و”مُهيمنة” على المستوى السياسي كذلك.
لا يمنع هذا كله من الإقرار بدور كلّ الثقافات، دون استثناء، في تكوين هذا الإرث التكنولوجي العلمي العالمي، باعتبار أن الثقافة “المُهيمنة”، حتى الآن، هي الأوروبية والغربية، التي هي نتيجة لتداخلٍ وتمثّلٍ بين ثقافات عدة، يُمكن أن نذكر منها: العربية الإسلامية، والهندية، والصينية، والفارسية، واليونانية، وغيرها..
كلّ هذه الثقافات تداخلت وتعاونت، وتمثـّلت الواحدة منها الأخرى، فأنتجت ما نُسميه اليوم بالثقافة الغربية. هذا من ناحية.. ومن ناحية أهمّ: إن هذا التنوع الثقافي (الحضاري) في تركيبة ما يُعرف اليوم بالثقافة الغربية، يقضي إلى حدّ ما على تلك الإرادة -التي تسكن الاستراتيجيين أساسا، وبالتالي تسكن السياسيين عموماً- لاستعمال الثقافة كسلاح للهيمنة.
فإذا اعتُبرت كلّ الثقافات في المستوى نفسه من الإنتاج المعرفي، وإنتاج الكونية، فإننا، عندئذ، نلغي أي إمكانية لهيمنة ثقافة ما على النطاق الفيزيولوجي، والنطاق السياسي.
يقول الفيلسوف الألماني (مارتن هايدغر) إن الإنسان له أبعاد تتصل بالوجود البشري برمته، مُتعيّنا بزمانه ومجتمعه.
في هذا المعنى: كيف يُمكن التفكير في صورة مئات الملايين من الشباب، الذين يُمارسون الألعاب الإلكترونية، والتواصل الاجتماعي، والتويتر، عبر القارات؟ أيُّ تفاعلٍ وتداخلٍ ومشاركةٍ بين ذكائهم كأفراد، وما يتضمنه التفكير الفردي من علاقات مع تاريخ الإنسانية، وزمانها الراهن، وتطورها أيضا؟
أزعم، هنا، أن السنن الطبيعية تقوم على أساس تعاوني لا تنافسي أو فردي، وأن الذكاء الجماعي هو أصل التطور الإنساني.
إن الذكاء الجماعي، كعملية، نشأ عند الإنسان في اللحظة التي بدأت فيها عملية التواصل الإنساني، من خلال اللغة، مهما يكن شكلها أو رموزها.
إن ذكاءنا وإنتاجنا المعرفي مبنيان على إنتاج سابق، وهو توارث المعلومات من جيل إلى جيل.
ما يُغني المعرفة، ليست بشرية الإنسان في حد ذاتها، بل الذاكرة الجماعية، بشكل عام.
* الاكتشافات العلمية والتكنولوجية، بصيغها المتنوعة، هي علاقة تراسلٍ بين عقل الإنسان والعالم.
* لقد اتسعت اللغة، وضاق العالم.
Zuhdi.alfateh@gmail.com